وأما الإيمان بكتبه فهو بأن نؤمن بأن لله تعالى كتباً أنزلها على أنبيائه، والكتب هي التي تكتب في صحف، سواءٌ أنزلها مكتوبة، أو مقروءة ثم كانت نهايتها أن كتبت وضبطت، وورد في بعض الأحاديث:(أن الله أنزل مائة كتاب وأربعة كتب، ثم إنه ضمن هذه المائة في الأربعة: التوراة والإنجيل والزبور والقرآن، ثم إن معاني هذه الأربعة ضمنها القرآن) ، فأصبح القرآن متضمناً لمائة كتاب وأربعة كتب، ولهذا وصفه الله تعالى بقوله:{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ}[المائدة:٤٨] يعني: محتوياً على الكتب التي قبله.
أي: على معانيها ومفادها ومدلولها.
فكتاب الله الذي أنزله هو خاتمة كتبه التي أنزلها على أنبيائه وهو أفضلها؛ حيث إنه وصفه بقوله:{لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}[فصلت:٤٢]{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً}[النساء:٨٢] ، ولعله يأتينا كلام في الكتب.
أما الإيمان بالرسل أو الإقرار بهم فهو اعتقاد أن الله تعالى أرسل رسلاً من البشر ورسلاً من الملائكة، كما في قول الله تعالى:{جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ}[فاطر:١] ، فالملائكة رسل إلى الأنبياء، يرسل الله الرسول الملكي إلى الرسول البشري بالوحي الذي يأمره أن يبلغه، فمن الملائكة رسل ومن البشر رسل، فالرسل من البشر واسطة بين الله تعالى وبين البشر {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لئلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً}[النساء:١٦٥] ، وهناك حديث طويل ذكره ابن كثير عند قوله تعالى:{وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ}[النساء:١٦٤] ، وهو حديث أبي ذر أنه قال:(يا رسول الله! كم الأنبياء؟ فقال: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رسولاً جم غفير) جم غفير، فالرسل ثلاثمائة وثلاثة عشر، والأنبياء هذا عددهم، وإذا لم يصح هذا الحديث فإن الآية تصرح بكثرتهم {وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ}[النساء:١٦٤] .
وإيماننا بالرسل إيمان مجمل، فنصدق بأنهم صادقون مصدَّقون، وأنهم لا يقولون إلا بما أوحي إليهم، ولا يبلغون إلا ما أرسلوا به، ولا يقولون شيئاً من قبل أنفسهم.