[قاعدة فيما يذكر من صفات السلب لله تعالى]
ذكر المؤلف رحمه الله أن الله تعالى موصوف بما وصف به نفسه وبما وصفه به نبيه صلى الله عليه وسلم -وهذه العبارة يكررها أهل السنة في عقائدهم- ثم بعد ذلك يفصلون، فإنه هنا ذكر بعض الصفات الفعلية وبعض الصفات الذاتية، فذكر صفة اليد وهي من الصفات الذاتية، وصفة الاستواء وهي من الصفات الفعلية.
كذلك أيضاً ذكر بعض الصفات السلبية، مثل قوله: [ولا يعجزه شيء] ، فهذه من الصفات السلبية، وقوله: [ولا يوصف بما فيه نقص أو عيب أو آفة] هذا من الصفات السلبية.
وقد ذكر العلماء أن الله تعالى بعث رسله بإثبات مفصَّل ونفي مجمل، وذلك لأن الإثبات مقصود لذاته، فلأجل ذلك فُصِّل في الإثبات، وقد أثبت الله تعالى لنفسه النفس في قوله: {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام:١٢] ، وأثبت صفة اليد في قوله: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك:١] ، وصفة الوجه في قوله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص:٨٨] ، وأثبت العزة والحكمة والرحمة، وأثبت صفات الفعل (الفعلية) كالمجيء والإتيان، وأثبت العلم والقدرة والسمع والبصر، وأثبت الصفات الفعلية أيضاً كالمكر والكيد والعَجَب وما أشبهها، وكذلك أيضاً في الأحاديث.
ويسمى هذا تفصيلاً، أي أن الله تعالى فصَّل في الإثبات حيث ذكر الصفات المثبتة كلها على وجه التفصيل.
وأما صفات السلب فإنه ذكرها على وجه الإجمال، كقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١] ، {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} [مريم:٦٥] ، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:٤] ، وكقوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ} [فاطر:٤٤] ، وكقوله: {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق:٣٨] ، وكقوله: {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ} [النحل:٧٤] .
{فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً} [البقرة:٢٢] .
وأشباه ذلك من الصفات السلبية التي نفى الله تعالى بها عن نفسه النقائص.
وقد ذكر أيضاً شيخ الإسلام أن الله تعالى لا يوصف بالصفات السلبية إلا إذا تضمنت إثباتاً، فإن الله نفى عن نفسه الكفؤ والند والمثل والسَّمي، فذلك دليل إثبات الأَحَدية والتفرد، يعني: إذا نفينا هذه الأشياء فقد أثبتنا أنه واحدٌ أحد وفردٌ صمد، وكذلك إذا نفينا العجز، كقوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ} [فاطر:٤٤] ، كان ذلك دليلاً على إثبات كمال القدرة، وكذلك بقية الصفات السلبية.
ثم نقول بعد ذلك: إن المبتدعة عكسوا الأمر كالمعتزلة، فهم يفصِّلون في النفي ويجملون في الإثبات، كما هو مذكور في معتقداتهم، فيقولون: ننزِّه الله -في زعمهم أنهم ينزِّهون الله- عن أن يكون فوق أو تحت أو يمين أو يسار أو أمام أو خلف، وننزِّهه عن الحدود والأعراض والأبعاض والأجسام والحيِّز والجهة، وننزِّهه عن الجهل وعن كذا وكذا.
فيفصِّلون في النفي، ولا يثبتون إلا إثباتاً مجملاً مطلقاً وبشرط الإطلاق، فيثبتون الوجود مثلاً وبشرط الإطلاق، ولا شك أن هذا التفصيل لا دليل لهم عليه، وهو من جملة ما ابتدعه المبتدعه كما سيأتي.