هل من كلمة لأولئك الذين يحضرون حلقات العلم، ثم ينطلقون بعدها إلى مجالسهم ومنتدياتهم مفتين معلمين؟
الجواب
ننصحهم ونقول لهم: إنكم قد حملتم علماً جماً، وقد حصلتم على خير كثير من العلوم التي تلقيتموها، فهذه العلوم التي تحملتموها، وكذلك أيضاً تحملتم غيرها في سابق أعماركم وأيامكم قد أصبحت أمانة في أعناقكم، حملتم هذا العلم فعليكم أن تبلغوه إذا رجعتم إلى البلاد التي تقيمون بها، سواءٌ أكانت تلك البلاد بحاجة إلى تلك العلوم حاجة ماسة أو ليست بحاجة، ولكن قد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم حث على البلاغ بقوله:(ليبلغ الشاهد منكم الغائب) ، وحث على أن يُبلغ ما تحمله الإنسان، وقال:(نضر الله امرءاً سمع منا حديثاً فوعاه وبلغه كما وعاه) ، أو كما في الحديث، فنوصيكم بأن تكونوا معلمين ومرشدين لكل من اتصلتم به واجتمعتم به وعرفتم أنه بحاجة إلى شيء من الفائدة أو شيء من العلوم، وليس ذلك خاصاً بحالة دون حالة، فإذا ركبت -مثلاً- في سيارة وتكلمت بفائدة مما استفدته أو عرفته وأفدت الحاضرين معك كان ذلك من جملة البيان والتبليغ، وإذا جلست في مجلس خاص أو عام فيه كبار السن أو صغارهم أو متوسطوهم فبدأت تحدثهم وتشرح لهم حديثاً أو تفسر لهم آية مما قد تحققت معناه وعرفته معرفة جيدة وعرفت مدلوله كان في ذلك بيان وتبليغ لما تحملته وتعلمته، وإذا رأيت أحداً من السفهاء أو الجهال يفعل منكراً عن جهل وأرشدته وبينت له ونصحته وأقمت عليه الحجة وذكرت له الدليل فرجع إلى نصيحتك كنت على خير، وكان لك أجر في ذلك، وهكذا.
فمذاكرة هذه العلوم وتكرارها وتردادها سبب في بقائها وسبب أيضاً في الانتفاع بها، أما الذي يتعلم هذه المعلومات ثم بعد ذلك ينطلق إلى بلاده ويسكت عما تعلمه ولا يذاكر شيئاً، ولا يذكر شيئاً من العلوم، ولا يدع إليها ولا يكررها فإنها سرعان ما تذهب من ذاكرته ويذهب جهده بغير فائدة، فجهدك الذي بذلته وأقمت به في مدة لتتعلم سرعان ما يذهب وتنسى ما تعلمته إذا لم تُردده ولم تتذكره.
وعلى كل حال فإن العلوم التي يتعلمها الإنسان أمانة في عنقه عليه أن يعمل بها، وعليه أن يدعو إليها، وعليه أن يزيد في تعلمها وتذكرها؛ فإن ذلك سبب في التوسع، فالعمل بالعلم وتعليمه سبب في توسعه، كما ورد في بعض الآثار أن (من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم) ، ويقول الشاعر في وصف العلم: يزيد بكثرة الإنفاق منه وينقص إن به كفاً شددتا فاجتهد في البيان والتعليم للعلم الذي حققته، أما الشيء الذي أنت فيه على شك فلا تنشره إلا بعدما تتثبت أنه صحيح، وأنه كما تعلمت؛ فإن الإنسان قد يتوهم شيئاً فيذكره وينقله ويظهر أنه خطأ، أو فيه شيء من الخلل، فقد يكون قد تكلم بغير علم.