ذكر أهل السنة في تعريف الإيمان أنه يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وقد جاءت الأدلة على زيادة الإيمان، قال الله تعالى:{فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}[آل عمران:١٧٣] ، ولا شك أن هذا دليل صريح على أن هذه المقالة زادت إيمانهم، وكذلك قوله تعالى:{وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا}[الأنفال:٢] ، وقوله تعالى:{وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}[المدثر:٣١] ، وهذا صريح في أنه يزيد إيمانهم، وكذلك قوله تعالى:{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ}[الفتح:٤] ، صريح في أن السكنية زادت إيمانهم، وقوله تعالى:{وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا}[التوبة:١٢٤] .
يقول العلماء: كل شيء يقبل الزيادة فإنه يقبل النقصان.
فإذا كان الإيمان يزيد فإنه ينقص، فالطاعات تزيده والمعاصي تنقصه، فالركعات النوافل يزيد بها الإيمان، والصدقة ولو بقليل يزيد بها الإيمان، والكلمة الطيبة يزيد بها الإيمان، والدعوات التي يدعو بها العبد ربه يزيد بها إيمانه، والاعتكاف ولو ليلة -مثلاً- في مسجد، وكذلك حج أو عمرة أو تقرب إلى الله بطواف أو جهاد في سبيل الله أو نفقة في وجوه الخير يزيد به الإيمان، وبضد ذلك ينقص الإيمان، فالرجل -مثلاً-: إذا مشى إلى المساجد زاد إيمانه، وإذا مشى إلى أماكن الرقص واللعب نقص إيمانه، وإذا أنفق في سبيل الله أو في وجوه الخير زاد إيمانه، وإذا أنفق في الباطل والملاهي والأغاني ونحوها نقص إيمانه، وإذا تكلم بدعاء أو بدعوة إلى الله تعالى زاد إيمانه، وإذا تكلم بسباب أو بلعن أو شتم أو عيب أو نحو ذلك نقص إيمانه، وإذا نظر في كتاب الله تعالى للاعتبار زاد إيمانه، وإذا نظر في الأفلام وفي الصور الخليعة ونحوها نقص إيمانه، وإذا استمع إلى الذكر وخشع قلبه زاد إيمانه، وإذا استمع إلى الغناء والملاهي وما أشبهها نقص إيمانه، وهكذا الضد بالضد.
ولهذا ذكر البخاري في (كتاب الإيمان) من صحيحه عن معاذ أنه قال: (اجلس بنا نؤمن ساعة) ، فجعل ذكره وفكره وتعلمه إيماناً، فدل على أن هذا يضاف إلى الإيمان فيزداد به.
وقد أخذوا النقص من الحديث المشهور الذي في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال:(ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للبِّ الرجل العاقل من إحداكن) ، فوصف النساء بنقص الدين، والدين هو الإيمان، فمن كثرت طاعته لا شك أنه أزيد ممن نقصت طاعته.
فالطاعات التي هي العبادات يكون صاحبها أكثر إيماناً من صاحب المعاصي، فمن يصلي النوافل ويحافظ على الرواتب لا شك أنه أزيد إيماناً من الذي يقتصر على الفرائض، والذي يسبح الله تعالى بعد كل صلاة ثلاثاً وثلاثين ويحمده ثلاثاً وثلاثين ويكبره ثلاثاً وثلاثين أفضل وأكمل إيماناً من الذي يسبح عشراً عشراً وأشباه ذلك، فكلما زادت الأعمال زاد بها الإيمان.
ومسألة الإيمان مسألة طويلة، ولعله يأتينا فيها أيضاً زيادة كلام عند قوله:[إن الإيمان قول وعمل، والإسلام فعل] إلى آخره.