[مذهب أهل السنة في إطلاقات المتكلمين في الصفات]
قال المعلِّق جزاه الله خيراً على قول المؤلف: [ولا يعتقد فيه الأعضاء والجوارح إلخ] قال: هذه عبارات لم ترد في الكتاب والسنة، ولم تؤثر عن السلف الصالح، بل هي من عبارات المتكلمين، فكان الأولى بالمصنف رحمه الله الاستغناء عنها.
وقال المعلِّق على النسخة الأخرى على قول المؤلف السابق: هذه الكلمات ليست من الألفاظ المعروفة عند أهل السنة والجماعة من سلف هذه الأمة، بل هي من الكلمات المخترَعة المبتدَعة، والتعبير عن الحق بالألفاظ الشرعية هو سبيل أهل السنة والجماعة، فلا ينبغي لطالب الحق الالتفات إلى مثل هذه الألفاظ ولا التعويل عليها، وما كان أغنى الإمام المصنف رحمه الله تعالى عن مثل هذه الكلمات المبتدَعة! فإن الله سبحانه وتعالى موصوف بصفات الكمال، منعوت بنعوت العظمة والجلال.
وعلى كل حال فالباطل مردود على قائله كائناً من كان، والقاعدة السلفية في مثل هذه الكلمات أنه لا يجوز نفيها ولا إثباتها إلا بعد التفصيل.
وتبيُّن مراد قائلها.
وكان على المؤلف أن يجمل في النفي، غير أنه أراد بهذا النفي أن يسد الطريق على المعطلة لئلا يكون لهم مدخل في رمي أهل الحديث بالتشبيه، ولكنه بهذه العبارات فتح الباب لهم ليُذِمُّوا من أطلقها بموافقتهم على نفي بعض الصفات الذاتية كالوجه واليدين، فلو أمسك رحمه الله عن هذه العبارات لكان أجدى.
انتهى.
قوله: [ولا يُعتقد فيه الأعضاء والجوارح، ولا الطول والعرض، والغِلَظ والدقة، ونحو هذا مما يكون مثله في الخلق، وأنه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١] تبارك وجه ربنا ذي الجلال والإكرام] .
إنه في القرن الرابع تمكنت مذاهب المعتزلة وأقوالهم، وكذلك من قاربهم كالكرَّامية والكُلَّابية والأشعرية ونحوهم، ولما كان لهم تمكُّن صار الذين يتتلمذون عليهم يولدون مثل هذه العبارات، فيرون أننا إذا أثبتنا الصفات استلزم من إثباتها هذه الأشياء، فلذلك قالوا: لا بد أن نصرح بنفيها، وأن نتبرأ ممن ينفيها حتى لا يرمينا النفاة أو المعتزلة ونحوهم بأننا مجسِّمة أو مشبِّهة أو نحو ذلك، فالتزموا بنفي هذه الأشياء، وإلا فهي عبارات لم يرد لها دليل ولم يستعملها السلف نفياً ولا إثباتاً.
فالسلف ما كانوا يدخلون في هذه الأمور، فلا يقولون: ننزِّه الله تعالى عن الحدود والأعراض والأبعاض والأجزاء والجهات والجسم والحيز.
بل كانوا يقتصرون على الوارد في نصوص الكتاب والسنة، ويقولون: الصفات التي ورد دليلها نقول بها ونثبتها لفظاً ومعنىً، ونتوقف عن الكيفية التي هي عليها، وكذلك أيضاً نتوقف عن التعليل الذي تُعَلَّل به أفعال الله تعالى، ونقول: هكذا وردت فنثبتها ونثبت لفظها ومعناها، ونتوقف عن تكييفها وتعليلها، ولا نقول: لماذا وُصف بكذا دون كذا؟ ولا لماذا فعل كذا دون كذا؟ فالتعليلات مرجعها إلى الله، {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:٢٣] .
وكذلك الصفات والكلمات المبتدعة التي لم يتكلم بها السلف نقول: إنها بدعة إثباتاً ونفياً.
فمن قال: إن الله جسم.
قلنا: أنت مبتدع.
ومن قال: إن الله ليس بجسم.
قلنا: أنت مبتدع.
ومن قال: لله أعضاء وأجزاء.
قلنا: هذا بدعة.
ومن قال: ليس لله أجزاء ولا أعضاء ولا أبعاض.
قلنا: هذه بدعة، فلا تقل هذا ولا تتكلم فيه؛ لأن هذا لم يرد، فما دليلك على النفي؟! وما دليلك على الإثبات؟! قف حيث وقف القوم، وتوقف عن التكلفات، فإن الله تعالى يقول لنبيه: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص:٨٦] ، فالتكلف هو أن يكلف الإنسان نفسه فيقول بما ليس له به علم، ويتخرص في الاعتقاد، ويتخرص في الأسماء والصفات، ويقول شيئاً من قبل نفسه.