ذكر عن بعض السلف أنه قال:(من ادعى محبة الله ولم يوافقه فدعواه باطلة) ، ومتى تكون دعواه صحيحة؟ إذا وافق أوامر الله وأوامر رسوله، وسأل بعضهم ذا النون المصري -وهو من التابعين-: متى أحب ربي؟ فقال: إذا كان ما يغضبه أمر عندك من الصَبِر.
والصَبِر هو هذا النبات مر المذاق، يعني: إذا كانت المعاصي أمرّ عندك من الصَبِر، ولو كانت تشتهيها النفوس وتندفع إليها، ولكنك تكرهها لأن الله تعالى حرمها.
ومعلوم أن الإنسان إذا كانت المعاصي عنده كريهة كانت الطاعات عنده لذيذة وسهلة ومحبوبة؛ لأن ربه تعالى أمر بها، ولأن الله تعالى حبب إلى عباده الطاعات وكره إليهم الكفر، كما في قول الله تعالى:{وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ}[الحجرات:٧] حببه إليهم فصار لذيذاً عندهم، ولو كانت تلك العبادات ثقيلة، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل لمحبة الله تعالى علامة، وهي مأخوذة من هذه الآية:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}[آل عمران:٣١] ، ففي الحديث الصحيح يقول:(ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار) ، فجعل هذه الثلاث علامة على صدق المحبة وعلى صدق الإيمان وحلاوته، ومعلوم أنه إذا أحب الله ورسوله فلابد أن يُطيعه، ولابد أن يمتثل أوامره، فإذا لم يمتثل فدعواه كاذبة، ولذلك يقول بعضهم: تعصي الإله وأنت تزعم حُبه هذا عجيب في الفعال بديع لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع فالمحبة الصادقة تستلزم طاعة المحبوب وموافقته واتباع ما أتى عنه، هذه حقاً هي علامة من يحب الله تعالى ورسوله.