إذا آمنا بالله تعالى أنه موجود آمنا أيضاً أنه الخالق الذي تفرد بالخلق فلا خالق غيره، {ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}[الأنعام:١٠٢] ، فهو الذي انفرد بخلق المخلوقات، ولا يكون في الوجود إلا ما يريد، {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}[طه:٥٠] ، {الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}[البقرة:٢١] .
ولا شك أن الاعتراف لله سبحانه وتعالى بأنه الخالق يفيد الإنسان عظمة الله تعالى؛ وذلك إذا اعترف بأن الخلق كله خلق الله، وأن كل ما في الوجود بإيجاده، وأنه ليس فيه ذرة من خلق أحد، وأن الإنسان مهما اخترع وخلق لا يقدر على خلق مثل ما خلق الله، قال الله:{هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ}[لقمان:١١] ، فلو حاول الإنسان -مثلاً- أن يخلق ذباباً أو ذرة يجعلها متحركة بطبعها ويركب فيها عينيها وأذنيها وأقدامها ومفاصلها ونحو ذلك لا يستطيع، ولو اجتمع الخلق على أن يخلقوا ذرة أو بعوضة فيها نفس وروح وحركة طبعية اختيارية لم يقدروا على ذلك، أما التصوير فإنه يسمى تصويراً، وقد توعد الله أيضاً الذين يصورون، كما في الحديث القدسي:(ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا برة، أو ليخلقوا شعيرة) .
قد تقول: إنهم الآن يصنعون حب الأرز الصناعي وما أشبهه؟! لكنه ليس مثل البر الذي هو خلق الله تعالى، حيث إنه ينبت إذا بذر، فالبر الطبيعي أو نحوه إذا دفن في الأرض وسقي نبت فوق الأرض وأزهر، وأما هذا فإنهم يأخذون شيئاً من الأرز ثم يطبخونه، ثم بعد ذلك يدخلونه في ماكينات ويقسمونه إلى حبات يسيرة، ثم يجعلونه طعاماً، فما أخذوا إلا من كخلق الله تعالى، أما خلق الله فلا يستطيعون أن يخلقوا ذرة كما هي أو برة أو شعيرة طبيعية بطعمها وبطبعها.
وكذلك أيضاً إذا عرفنا أن الله تعالى هو الخالق فإننا نؤمن بأنه المعبود، وذلك كما قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ}[البقرة:٢١] كأنه قال: أذكركم بأني خلقتكم، وإذا كنتم خلقي فأنتم عبيدي وملكي، والعبيد يطيعون خالقهم ومالكهم، ولا يخرجون عن طواعيته، ولا يتعبدون لغيره، بل يعبدونه وحده، فكيف تتعبدون لمن لم يخلقكم وتتركون الذي خلقكم؟ فالكلام الذي يتعلق بالإيمان بالله يدخل فيه جميع ما يأتي من الإيمان بالصفات ونحوها.