اتفق جمهور العلماء على أنه يقتل، واستدلوا بالحديث الذي في السنن عن جندب الخير بلفظ (حد الساحر ضربة بالسيف -وفي رواية: ضربه بالسيف-) ، وقالوا في سبب روايته: إن جندباً دخل على بعض الأمراء في عهد بني أمية وإذا عنده ساحر، وإذا ذلك الساحر يفعل أشياء مستغربة، حتى إنه يمسك رجلاً فيقطع رأسه فيبقى رأسه في يده، ثم بعد ذلك يرده مكانه وهم ينظرون، فيقولون: سبحان الله! يحيي الموتى، ويميت فيحيي.
فعند ذلك في اليوم الثاني اشتمل جندب على سيف، واستعاذ بالله من الشيطان، وقرأ بعض الآيات، فلما قرب من الساحر ضربه بالسيف حتى قطع رأسه، وقال: أحيِ نفسك -يعني: إن كنت صادقاً-.
ثم قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (حد الساحر ضربه بالسيف) ؛ فإذا حكمنا بأنه كافر فإنه يقتل.
وكذلك ما روي عن عمر، ففي صحيح البخاري عن بجالة بن عبدة أنه قال: كتب إلينا عمر رضي الله عنه أن: (اقتلوا كل ساحر وساحرة) ، قال: فقتلنا ثلاث سواحر.
فهذا أمر من عمر -وهو أحد الخلفاء الراشدين- بقتل السحرة، وكذلك ذكروا أن حفصة بنت عمر -وهي إحدى أمهات المؤمنين- كان لها جارية، وكانت قد دبرتها -أي: أعتقتها عن دبر، فعند ذلك عملت تلك الجارية لها سحراً، ثم اعترفت، فقالت لها: لماذا؟ قالت: أردت أن تموتي حتى أعتق.
فأمرت بها أن تقتل لما أنها اعترفت بذلك، والوقائع في ذلك كثيرة تدل على أن هذا حده.
أما الإمام الشافعي فلم ير أنه يقتل ولا أنه يكفر، ولكنه يقول: نأتي بالساحر ونقول له: صف لنا سحرك، فإذا وصفه بشيء فيه كفر أو شرك فإننا عند ذلك نكفره ونقتله، وإن وصفه بشيء دون ذلك فلا، ومعلوم أنه إذا أحضر وهدد بالقتل فسوف ينكر ذلك.
والحاصل أن السحر موجود، وأن السحرة يستخدمون الشياطين، وأن الشياطين لا تخدمهم إلا بعدما يكفرون بالله ويتقربون إليها بما تحبه منهم، وأنهم بذلك يصبحون كفاراً، وأن حد الساحر القتل، وأنه على الصحيح يقتل حداً ولا يستتاب، هذا هو الذي مشى عليه العلماء.
كذلك أيضاً من اعتقد أن السحر يكون بغير إذن الله، وأنه ينفع ويضر بغير إذن الله، والله تعالى يقول:{وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}[البقرة:١٠٢] ، وذلك لأنه لا يكون في الوجود إلا ما يريد، فالله تعالى هو الذي يسلط هؤلاء ويعطيهم من هذه القوة ما يكون مخالفاً للعادة {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ}[الأنعام:١٣٧] ، ولكن الله أعطاهم وسلطهم حتى يكون ذلك علامة على أنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.