للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المعتزلة رموزهم وعقيدتهم]

المعتزلة يعرفون بأنهم ينكرون الصفات، وكان أول خروجهم في عهد الحسن البصري، وذلك لما جاءه رجل يسأله عن رجل عمل ذنوباً وارتكب خطايا هل يُكفَّر أو يفسق؟ وهل يسمَّى مؤمناً أو كافراً، وكان في مجلس الحسن رجل من تلامذته، ولكنه لسِنٌ جريء بليغ فصيح، فنطق وقال: أنا أقول: إن العاصي ليس بمؤمن ولا كافر، بل هو بمنزلة بين المنزلتين، فلا نخرجه من الإسلام ولا ندخله في الكفر، بل هو بينهما.

فأراد أن يقنعه الحسن فأصر على كلامه، ولما أصر على ذلك اعتزل مجلس الحسن وانفرد في حلقة من زاوية المسجد، وصار يقرر على تلامذة له أُعجِبوا بفصاحته هذه العقيدة، فعند ذلك قال الحسن رحمه الله: اعتزلنا واصل.

ثم كان بعد ذلك كلما أحس من إنسان شيئاً من البدعة قال: هذا قول أولئك المعتزلة، إن كنت كذلك فاذهب إلى أولئك المعتزلة.

فلُقِّبوا بالمعتزلة، واستمروا على هذا اللقب، وصاروا يعترفون بذلك ويفتخرون بأنهم بهذا الاسم، ولكنهم مع ذلك يدَّعون أنهم على حق وصواب.

ومبنى مذهبهم على خمسة أصول يسمونها بأسماء حسنة، وهي: العدل، وإنفاذ الوعيد، والتوحيد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمنزلة بين المنزلتين.

هذه أصولهم الخمسة، ولها أسماءٌ حسنة، ولكن إذا شرحتَها أو طلبتَ شرحَها وجدتَ فيها مخالفات.

فمرادهم بالعدل عدم قدرة الله على أفعال العباد، وينكرون أن يكون الله تعالى قد خلق أفعال العباد، ويقولون: إذا خلق الله المعصية في العاصي وعذَّبه فهذا جَور وظلم، وليس عدلاً فيجعلون العباد هم الذين يخلقون أفعالهم مستقلين بها، وينكرون قدرة الله على أن يهدي أو يضل، ويقولون: لو أراد الإنسان أمراً وأراد الله غيره لغلبت قدرة العبد على قدرة الخالق.

وهذا بغير شك تنقُّصٌ لله، فهذا مرادهم بالعدل، ولعله يأتينا ما يبينه أكثر.

وأما مرادهم بالتوحيد فهو في الصفات، فهم يقولون: إن الله تعالى واحد.

وينكرون أن يكون معه صفات، فيقولون: إذا أثبتنا الذات والعلم والقدرة والرحمة والكلام والوجه واليد والمشيئة فما أثبتنا واحداً بل أثبتنا عدداً، فلا نكون موحِّدين، ولا نكون موحِّدين إلا إذا أثبتنا ذاتاً مجردةً عن الصفات.

هذا مذهبهم ومرادهم بالتوحيد.

أما المنزلة بين المنزلتين فمرادهم أن العاصي لا مؤمن ولا كافر، بل بينهما، فهم لا يقاتلون العصاة في الدنيا كالخوارج، ولا يعاملونهم معاملة المسلمين.

ومرادهم بإنفاذ الوعيد أن آيات وأحاديث الوعيد التي وردت في حق العصاة لا بد من إنفاذها، فلأجل ذلك يحكمون بخلودهم في النار، وينكرون شفاعة الشافعين، وينكرون أن يُخرَج أحد ممن دخل في النار.

ومرادهم بالأمر والنهي جواز الخروج على الأئمة إذا أظهروا معصية، ويستبيحون ذلك.

وذكر المعلِّق أن مِن أشهر رجالهم: واصل بن عطاء، وهو الذي ذكرنا أنه أول من اعتزل مجلس الحسن، وعمرو بن عبيد، وهو عالم ولكنه ضال، كما أن واصل بن عطاء عالم وفصيح، حتى ذكروا أنه كان ألثغ بـ (الراء) ، فكان إذا خطب يتجنبها في كلامه حتى لا يُعاب؛ لأنه كان يقلبها (غيناً) ، حتى في القرآن، فإذا قرأ -مثلاً-: {الصِّرَاطَ} [الفاتحة:٦] يقول: الصغاط.

كاللكنة التي تكون في بعض الناس.

أما عمرو بن عبيد فكان عالماً ولكنه مبتدع ضال، ومع ذلك فقد انخدع به بعض الولاة، مثل الخليفة المنصور، فقد كان يقرِّبه، وذلك لأنه يرى أنه زاهد في العطاء لا يطلب شيئاً من المال ولا يرغب في شيء لنفسه، حتى إنه كان يقول للذين يأتون إليه: كلكم يمشي رويد، كلكم يطلب صيد، غير عمرو بن عبيد يريد: كلكم يطلب شيئاً من المال إلا عمرو بن عبيد.

وبيَّن ابن كثير في ترجمته في البداية والنهاية أنه وإن اشتهر بالزهد فإنه مبتدع.

وأما أبو الهذيل العلاف فهو أيضاً مشهور بأنه من جهابذتهم وأكابرهم، ولكنه من المنهمكين في هذه العقيدة ومن الغلاة فيها.

وإبراهيم النظام كذلك أيضاً اشتهر بمخالفاتٍ عجيبة، وكذلك الجاحظ.

والحاصل أن هؤلاء من مشاهيرهم.

وكذلك أيضاً ما ذكر عن: بشر بن المعتمر، والمردار، وثمامة بن أشرس، وابن أبي دؤاد وأشباههم.

أما الخوارج فهم الذين خرجوا على علي رضي الله عنه، والذين وردت فيهم الأحاديث.

ثم هم يُطلقون على كل فرقة تخرج عن طاعة الأمير أو الخليفة ويكون عندهم نفوذ ولهم قوة، فيسمَّون خوارج لخروجهم عن ولاية الولاة، وأول ما خرجوا كانوا في عهد علي رضي الله عنه، ثم استمر خروجهم في عهد بني أمية، ولما استُخلِف عمر بن عبد العزيز وسار سيرة حسنة أرادوا أن يدخلوا في ولايته، فجاؤوا إليه وبحثوا معه فلم يجدوا عنده شيئاً من المخالفات فقالوا: ما ننقم عليك إلا واحدة، وهي أنك استخلفت بعدك أحد بني أمية.

ولم يستخلفه ولكن استخلفه غيرُه، وهو سليمان بن عبد الملك، فقد استخلف بعد عمر أحد بني أمية، فعند ذلك أراد أن يعزله، فخاف بنو أمية أن يعزله من الولاية، قيل: إنه أُرْسل إليه مَن سقاه سُماً حتى مات.

والله أعلم.

فالحاصل أن الخوارج كل من خرج عن طاعة الولاة.

ولا شك أن القول بأن أسماء الله تعالى مخلوقةٌ قولٌ مبتدَع، وذلك لأن الله تعالى بذاته وبصفاته ليس منه شيء مخلوق.

وقد تكلفوا في تصوير هذا الشيء الذي ادعوا أنه مخلوق وأطالوا في ذلك، ولكن لم يأتوا بحاصل، وعباراته التي ولَّدوها لم تدل على شيء.

<<  <  ج: ص:  >  >>