[إثبات أهل السنة صفة اليد لله بغير كيفية]
المصنف رحمه الله كرر قوله موصوف بما وصف به نفسه وما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم كذلك قوله: [خلق آدم بيده] كررها أيضاً.
قال الله تعالى مخاطباً إبليس: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:٧٥] ، أثبت الله سبحانه وتعالى لنفسه اليدين، وكذلك قال الله تعالى: {وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة:٦٤] استدل بهذه الآيات على إثبات اليدين، وقد ذكرهما الله تعالى بلفظ التثنية فقال: ((بيدي)) ، وكذلك: ((بل يداه)) ، وقد ورد ذكر اليد بلفظ المفرد: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك:١] ، وكذلك قال: {بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:٢٦] ، والمقصود بالإفراد هنا الجنس، أي: جنس اليد، فنثبت لله تعالى اليد.
وقوله: [بلا اعتقاد كيف يداه] يعني: لا نكيفها.
وقد ذكر ابن كثير رحمه الله في تفسيره قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:٦٧] ، فسرد الأحاديث التي فيها ذكر اليد، والتي فيها قبض المخلوقات، وقبل أن يسردها قال: وقد وردت أحاديث في معنى هذه الآية الطريقة فيها طريقة أهل السنة، وهو إمرارها كما جاءت بلا كيف.
يعني أنهم يمرونها كما جاءت ويقرونها ولا يكيفون، فلا يقولون: كيفية اليد كذا وكذا.
ولا يقولون: إنها مركبة كيد الإنسان التي هي مركبة من عظام وعصب وجلود وشعر وأنامل ومفاصل وأظفار وسواعد وعضد وكوع ورسغ ونحو ذلك.
بل يقولون: أثبت الله تعالى لنفسه اليد، ونعلم أنها يد حقيقية ولكن لا ندري ما كيفيتها.
والمراد بالبسط هنا البسط بالعطاء، أي: بالعطاء ينفق كيف يشاء.
وذلك لأن اليهود وصفوا الله بالبخل، فقالوا: ((يد الله مغلولة)) أي: عن النفقة والعطاء والكرم فهو بخيل.
هكذا أرادوا، فرد الله عليهم وكذبهم وأخبر بأنه واسع العطاء، وأن يداه مبسوطتان بالعطاء يعطي كما يشاء، فيطلق غل اليد على البخل، ويطلق البسط على النفقة وكثرة العطاء، قال الله تعالى في سورة الإسراء: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} [الإسراء:٢٩] ، فليس معناه أنه يربط يده إلى عنقه، بل المراد أنه يمتنع عن العطاء، كأنه هو البخيل الذي لا ينفق شيئاً، والذي يبسط يده كل البسط هو الذي يبذر ويفسد المال ويكثر من إعطائه فوق الحاجة، ((ولا تبسطها كل البسط)) يعني: ولا تبسطها في العطاء كل البسط، بل الوسط خير.
والحاصل أن الله تعالى أخبر بأن له يدين، وأنهما مبسوطتان ينفق كيف يشاء بلا اعتقاد كيف.