للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فضائل أبي بكر رضي الله عنه]

لا شك في كثرة فضائل أبي بكر رضي الله عنه، فإن الله تعالى مدحه وذكر له فضائل، وأنزل فيه قول الله تعالى في سورة الليل: {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل:١٧-٢١] ، هذه الآيات نزلت في أبي بكر، وذلك لأنه كان ذا مال وتجارة، فإذا أسلم أحد من العبيد الضعفاء اشتراه فأعتقه، فيقول له أبوه: يا بني! لو أنك تشتري وتعتق أُناساً أقوياء يحرسونك ويحفظونك؟ فيقول رضي الله عنه: حمايتي أريد، يعني: ما أريد إلا الحماية، والحماية في هذا من الله تعالى، كأنه يقول: إذا أعتقت هؤلاء فإن الله هو الذي سوف يحرسني ويحفظني وينصرني، فأنزل الله فيه هذه الآية، {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى} [الليل:١٧] شهادة له بأنه الأتقى، وأنه على هذه الصفة: {يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} [الليل:١٨] ، ويخرج ماله لكي يزكي نفسه، وأنه لا يطلب بذلك إلا {ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى} [الليل:٢٠] .

ونزل فيه أيضاً قول الله تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} [الزمر:٣٣] ، فالذي جاء بالصدق نبينا صلى الله عليه وسلم، والذي صدق به هو أبو بكر رضي الله عنه، وذلك لأنه لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم قريشاً بقصة الإسراء وأنه أسري به إلى بيت المقدس ثم رجع، لما أخبر بذلك قريشاً استغربوا لذلك وقالوا: هذا هو علامة الكذب، كيف ونحن نسافر مسيرة شهر ذهاباً ومسيرة شهر رجوعاً وأنت تقطع ذلك في ليلة واحدة؟! هذا هو عين الكذب.

فجاؤوا إلى أبي بكر وقالوا: أدرك صاحبك، فإنه يزعم أنه أسري به البارحة إلى بيت المقدس ثم رجع في ليلة! فقال: لقد صدق، لقد صدق.

فقالوا: أتصدقه في هذا؟ فقال: أصدقه في أعجب منه، في خبر السماء.

يعني أنه: يصدقه في أن خبر السماء ينزل إليه في لحظة من اللحظات ويرتفع، فنزلت هذه الآية: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} [الزمر:٣٣] .

مع أنه أيضاً يعتبر صاحب الفضل الكبير في قصة الهجرة، فإنه لما عزم النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة قال: الصحبة يا رسول الله؟ فقال: (الصحبة) ، ثم قال: إن عندي راحلتين كنت أعلفهما أعدهما لهذا السفر فخذ إحدهما، فقال: (نعم ولكن بالثمن) ، فعند ذلك لما عزما على السفر وكانت قريش قد دبرت مكيدة لقتل النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج هو وأبو بكر ليلاً ولجأا إلى غار ثور ومكثا فيه ثلاثة أيام، وصار ولد أبي بكر يأتيهما في الليل بغنمه ويحلب لهما من الغنم، وأعطيا رواحلهما إلى رجل يقال له: ابن أريقط لحيفظها لهما، وجاءت قريش تلتمسه فأعماهم الله تعالى عنه، وأنزل الله تعالى: {إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:٤٠] قال له: (ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟!) فالله يحرسهما والله يحفظهما، هذه خصيصة لـ أبي بكر رضي الله عنه.

صحب النبي صلى الله عليه وسلم في سفره من مكة إلى المدينة، ولازمه ملازمة تامة إلى أن توفي وهو ملازم له، ولم يتخلف عنه في غزوة من الغزوات.

وفي سنة تسع ائتمنه على الحجاج، وأرسله ليحج في ذلك العام وليبلغ الناس ما أنزل الله تعالى، وليقيم للناس حجهم، وصحب النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً في سنة عشر في حجة الوداع، فكل ذلك دليل على فضله.

<<  <  ج: ص:  >  >>