إن الله تعالى يبتلي العباد حتى يظهر منهم من هو راسخ العقيدة حقيقة ومن هو غير صحيح المعتقد.
فمثلاً: بعض الناس يدخل في الإسلام من غير المسلمين، ويجعل ذلك كتجربة، ويقول: ننظر في هذا الإسلام الذي يدعو إليه هؤلاء، فإن جاء بما يوافقنا وإلا رجعنا إلى بلادنا وعشنا فيها على الدين الذي كان عليه أسلافنا.
فهؤلاء قد يسلط الله عليهم ابتلاء وامتحاناً من الفقر والمرض والأذى، فإذا جاءتهم هذه المصائب سبوا الدين وسبوا هذا المعتقد، وقالوا: ليس في هذا الدين خير، بل منذ أسلمنا ونحن في هذه المصائب، فإذا شفينا من مرض أتى بدله، وإذا سلط علينا إنسان وتخلصنا منه تسلط علينا آخر.
نقول لهم: اصبروا وصابروا، وتحملوا ما تلقونه من الأذى، فإذا كنتم على العقيدة الصحيحة فتحملوا ذلك ولا تتزعزعوا، ولا ترجعوا عما كنتم عليه فتخسروا دينكم وحياتكم؛ فإن البلاء يسلط على الأنبياء وأتباع الأنبياء، كما جاء في الحديث:(لا يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على الدنيا وليس عليه خطيئة) ، وقال:(إن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على قدر دينه، فإن كان في دينه صلابة شدد عليه وإلا خفف عنه) ، فالله تعالى ابتلى صحابة نبيه صلى الله عليه وسلم عندما أسلموا وأخبرهم بهذا الابتلاء، ولكن أمرهم بالصبر، واقرأ قول الله تعالى:{لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}[آل عمران:١٨٦] ، فالذين صبروا واتقوا وتحملوا ما حملهم على ذلك إلا بشاشة الإيمان التي باشرت قلوبهم، والعقيدة الصحيحة ملأت أفئدتهم، والإيمان بالله وبدينه وبشريعته باشر أفئدتهم وأشربته لحومهم ودماؤهم، فعند ذلك صبروا وقالوا:{هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً}[الأحزاب:٢٢] ، ونقول: إن هذه آثار العقيدة.
فإذاً أنت تعرف صادق العقيدة وقوي العقيدة، وتعرف الكاذب وضعيف العقيدة، ولكن لا يعرف ذلك ولا يظهر جلياً إلا عند الامتحان، فعند الامتحان يكرم المرء أو يهان، والامتحان هنا معروف أنه من الله تعالى، وذلك بأن يسلط الله الأذى المؤمن كامل الإيمان وعلى راسخ الإيمان، ويكون هذا التسليط وهذه المصائب التي تصيبه رفعاً لدرجاته وتكريماً له وزيادة في حسناته، كما حصل للأنبياء، وقد تكون في حق المؤمن أيضاً رفعاً لدرجاته ولكنها في الحقيقة اختبار وامتحان لكثير من الناس في أمر إيمانهم هل هم صادقون أم لا؟ ولذلك قال الله تعالى:{وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ}[العنكبوت:١١] ، وقال تعالى:{أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}[العنكبوت:٢-٣] أي: أتحسبون أن تقولوا: آمنا وتسلمون من الفتنة؟! لابد من الفتنة، ولابد من الابتلاء، فالله تعالى يبتلي من يبتليه لما ذكر من الحكمة في قوله تعالى:{وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ}[العنكبوت:١١] ، والعلم هنا هو علم الظهور، أن يظهر معلوم الله تعالى في حينه، فيظهر علم الله في هذا الرجل أنه منافق وأنه يعبد الله على حرف، فلما جاءه هذه الابتلاء رجع القهقرى، وأن هذا قوي الإيمان، فما زادته الفتنة إلا ثباتاً ورسوخاً وتقدماً فيما هو عليه وصبرا ًواحتساباً.