أمَّا الأَعجَبُ من هذا: استرواحُهُ لتَصحيح البُوصِيرِيِّ هذا الإسنادَ على شرط الشَّيخَين. والبُوصِيرِيُّ رحمهُ الله لم يَكُن من فُرسَان هذا المَيدَان، مثلَ الهَيثَمِيِّ، ولا يُنازع في هذا أحدٌ له ذَوقُ المُحَدِّثِين، إنَّما كانا يَجرِيَان على ظَاهِر الإسناد، وَمَع ذلك، فلَهُما تناقُضَاتٌ غرِيبَةٌ، وقد علمتُ هذا عن البُوصِيرِيِّ لمَّا حققتُ "زوائِدَه على ابن ماجَهْ" على نُسخَتَين بخطِّ وَلَدِه مُحَمَّدٍ، وبيَّنتُ تناقُضَه في كثيرٍ من أحكامه.
ولو سَلَّمنا أنَّه لم يُعَلَّ بالمُخالَفة، كما هو الوَاقِعُ، فليس على شرط الشَّيخَين، وأحمدُ بنُ مَنِيعٍ لم يَروِ له البُخارِيُّ شيئًا، ولم يَروِ له مُسلِمٌ شيئًا عن إسحاقَ الأَزرَق. ولم يَروِ الشَّيخَان شيئًا للثَّورِيِّ، عن مُوسى بن أبي عائِشَة. ولا لِمُوسَى، عن عبدِ اللّه بن شَدَّادٍ. ولم يَروِ أحدٌ من أصحاب الكُتُب السِّتَةِ لعبدِ الله بن شدَّادٍ، عن جابرٍ.
وحُكمُ البُوصِيرِيِّ هذا يَقَعُ في مِثلِه كثيرٌ من المُتأَخِّرِين، فلا يَكَادُون يُفَرِّقُون بين قَولِ القائل:"على شرط الشَّيخَي"، وبين:"رجالُهُ رجالُ الشَّيخَين".
وشَرطُ الحُكمِ على الإسناد بأنَّه على شرط الشَّيخَين أو أحدِهِما، مُتعلِّقٌ بوُجُود الإسناد بعَينِهِ في الكِتَابَين أو أحدِهما، وليس مُلَفَّقًا من رجالهِما، وأن يَكُونَا ذَكَراه على سبيل الاحتجاج، لا الاستِشهَادِ، مع شَرائِطَ أُخرى. فلا يَكفِي أن يكُون الإسنادُ مُلفَّقًا من رجالهما.
قال السِّيُوطِيُّ في "تدريب الرَّاوِي" وهو يَنقُل كلامًا للعِرَاقِيِّ،