وأَحالَ على مُقدِّمَتِه التي كَتَبَها على "المُصنَّف".
وهذه عادَةُ المَدرَسة الكَوثَرِيَّة والغُمارِيَّة، أنَّهُم إذا أَرَادُوا أن يتخلَّصُوا من جَرحِ راوٍ زَعَمُوا أن المُتأخِّرين قَلَّدُوا المُتقَدِّمين دُون فَهْمٍ، فَهُمْ كَالبَبَّغاواتِ، يقُولُون ما لا يَفهَمُون. وقد تقدَّم طَرَفٌ من مُناقَشة هذا الخَطَل عند الحديث رقم (٣١).
وأرجُو أن يَعذِرَني القارِئُ في نَقلِ كلامه مع طُولِه، ليَظهَر لك فَهمُ الأُستاذ عوَّامَةَ وتدبُّرُه.
قال في (١/ ٦٤):
"لقد كَثُر الكلامُ في الحسَن بن عُمارَة. والنَّاظِرُ في ترجمَتَه يجِدُ أن المتكَلِّمين فيه قِسمَان: مُعاصِرُون له، ومُتأخِّرُون عنه. ولم يتكلَّم فيه من المُعاصِرِين له إلَّا شُعبَةُ، والثَّورِيُّ، كما قال ابنُ المُبارَك: "جَرَحه عندي شُعبَةُ وسُفيانُ، فبقَولِهما تركتُ حديثَه"، فانظر المُتابَعة (١)! بل يجِدُ النَّاظرُ أن شُعبَة هو المتكلِّم فيه والمؤلِّب عليه، وسُفيانُ مُتابعٌ له مُوافِقٌ. قال عيسى بن يُونُس: "الحسَنُ بن عُمارَةَ شيخٌ صالحٌ. قال فيه شُعبَةُ، وأعانه عليه سُفيانُ"، ولذلك كان الحَسَن بن عُمارَةَ يقُولُ: "النَّاسُ كُلُّهُم مِنِّي في حِلٍّ ما خلا شُعبَةُ". ولكَثرَة مَن تَابَع شُعبَةَ على قَولِه فيه، سَهُل على السَّاجِيِّ قولُه: "أَجمَع أهلُ الحديث على تَركِ حديثِهِ"!!