الاحتمالُ يَنفِي عنه صِفَةَ الكَذِب فحسبُ. ونَحنُ نُوافِقُ على هذا، وأنَّ الحَسَنَ أجَلُّ من أن يَكذِب، لكنَّه كان شَدِيدَ الغَفلَة، قبيحَ التَّدليسِ، حتى تَرَكَهُ المُحَدِّثُون. وإنَّما شَفَع فيه بعض أجِلَّة أهل العِلم؛ لأنَّهُ كان من ذَوِي الهَيئات المُوسرين، ومثلُ هؤُلاء يكُونُ لهم وجاهَةٌ عند النَّاس ومكانَةٌ في بَلَدِهم. فقد رَوَى ابنُ عَدِيٍّ (٢/ ٦٩٩) عن روَّاد بن الجَرَّاح، قال:"كان الحَسَنُ بن عُمارَةَ رجُلًا مُوسرًا، وكان الحَكَم بنُ عُتَيبَة مُقِلًّا، فضَمَّه الحسَنُ بن عُمارَةَ إلى نَفسِه، وأَجرَى عليه الرِّزقَ، فصار الحَسَنُ من خاصَّة الحكَمِ، فكان يُحَدِّثُه ولا يَمنَعُهُ شيئًا عِندَه، فحدَّثَه بقريبٍ مِن عَشرَةِ آلاف قَضِيَّةٍ، عن شُريحٍ وغيرِه، وسمِع شعبةُ من الحَكَم شيئًا يسيرًا، فلمَّا تُوفِّي الحَكَمُ، قال شُعبةُ للحَسَن: مِن رأيِك أن تُحدِّث عن الحكَم بكلِّ شيءٍ سمعتَه؟ فقال له الحَسَن: نعم! ما أكتُمُ شيئًا سمعتُهُ. - قال: - قال شُعبةُ: مَن أراد أن يَنظُر إلى أَكذَب النَّاس فليَنظُر إلى الحَسَن بن عُمارة. وقَبِلَ النَّاسُ من شُعبَة وترَكُوا الحسَن. هذا أو نحوه" انتهَى.
وهذا الذي جَرَى مع الحَسَن بن عُمارَةَ، حَدَثَ مِثلُهُ مع أبان بن أبي عيَّاشٍ. وأبَانُ مترُوكٌ عند سائر العُلَماء، مع إقرارِهِم بأنَّه كان لا يتعمَّدُ الكَذِبَ، فقد حَكَى الإمامُ أحمدُ، عن عبَّاد بن عبَّادٍ المُهَلَّبِيِّ، قال: أتيتُ شُعبَة، أنا وحمَّادُ بنُ زَيدٍ، فكلَّمناه في أبانَ بن أبي عيَّاشٍ، فقالا له: يا أبَا بِسطَامَ! تُمسِكُ عَنهُ؟ فلَقِيَهُم بعد ذلك، فقال: ما أَرَانِي يَسَعُنِي السُّكوتُ عنه.
وتعجَّب الأُستاذُ عوَّامَةُ من شُعبَةَ، إذ ترَك الحَسَن، ثُمَّ رَوَى عنه!