للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ولا عَجَب في هذا؛ فإنَّ المُحَدِّثَ قد يُحَدِّثُ عمَّن يرغَبُ عن روايته للاعتِبَار. وهذا مِثلَما كان يُحَدُث مع الثَّورِيِّ، فإنَّه كان يَروِي عن مُحمَّد بن السَّائب الكَلبِيِّ، ويَنهَى عن الرِّوَايَة عنه، فكَلَّموه في ذلك، فقال: أنا أَعرِف صِدقَه مِن كَذِبه.

ولرُبَّما يقُولُ قائل: إنَّ سُفيانَ الثَّورِيَّ رَجَعَ عن جَرحِ الحَسَن بن عُمارَةَ، واستَدَلَّ بما رواه أيُّوبُ بنُ سُوَيدٍ، قال: كُنتُ عند سُفيانَ الثَّورِيِّ، فذُكِر الحَسَنُ بنُ عُمارَةَ، فغَمَزَه، فقلتُ له: يا أبا عبدِ الله! هو عِندِي خيرٌ منك! قال: وكيفَ ذاك؟ قلتُ: جلستُ مَعَهُ غيرَ مَرَّةٍ، فيَجرِي ذِكرُك، فما يَذكُرُك إلا بِخيرٍ. قال أيُّوبُ: فما سمِعتُ سُفيانَ ذَاكِرًا الحَسَنَ بنَ عُمارَةَ بعد ذلك إلَّا بخيرٍ، حتَّى فارَقتُه.

فالجوابُ عن هذا: أن أيُّوبَ بنَ سُويدٍ ضعيفٌ. سلَّمنا أنَّه ثقةٌ، أو أنَّا تَسامَحنا في نقل هذه الحِكاية، فإنَّ تصرُّف سُفيانَ خَرَجَ على مَذهَب أهل الوَرَع. وهذا يُشبِهُ تمامًا مَوقِفَ الثَّورِيِّ من الحَسَن بن صالحِ بن حَيٍّ، فقد كان سُفيانُ شَدِيدَ الحَملِ عليه، مع أن الحَسَن كلمةُ إجماعٍ في ثِقَتِهِ وزُهدِهِ وعِبَادَتِه. فذَكَرُوا أن سُفيانَ كان مُجاوِرًا بمكَّةَ، فلمَّا كان ذات يَومٍ، جاء إِنسانٌ، فقال سُفيَانَ: يا أبا عبد الله! قَدِم اليومَ حَسَنٌ وعليٌّ ابنا صالحٍ. قال: وأين هُمَا؟ قال: في الطَّوَاف. قال: فإذا مَرَّا فأَرِينِهِما. - قال: - فمَرَّ أحدُهُما فقال: هذا عليٌّ. ثُمَّ مرَّ الآخَرُ، فقال: هذا حَسَنٌ فقال سُفيانُ: أمَّا الأوَّلُ فصاحبُ آخِرَةٍ، وأمَّا الآخَرُ - يعني: حَسَنًا - فصاحِبُ سَيفٍ، لا يملأُ جَوفَهُ شيءٌ. - قال: - فتقدَّمَ رجُلٌ ممَّن كان