فلما أراد البُخارِيُّ - رحمه الله - أن يَدخُل نيسابورَ، قال عالمُها وفاضلُها مُحمَّدُ بنُ يحيى الذُّهلِيُّ، أحدُ مشايخ البُخاريِّ:"إنَّ العبد الصَّالحَ مُحمَّد بن إسماعيل سَيَأتِينَا غدًا، فمَن أراد أن يَستَقبِله، فإنِّي مستَقبِلُهُ"، فاستقبَلَه النَّاسُ على ثلاثة فراسخ، ونَثَرُوا الحَلوَى على رُؤُوس النَّاس، ابتهاجًا بمَقدِم هذا العبد الصَّالح، ونَزَل في دار البُخَارِيِّين في نيسابُورَ، ثُمَّ بدأ يَعقِد مجالسَ الإِملاء. وقال أبو أحمد ابنُ عَديٍّ: ذَكَر لي جماعةٌ من المشايخ، أنَّ مُحمَّد بن إسماعيل لمَّا وَرَد نيسابُور، اجتَمَع النَّاسُ عليه، حَسَدَهُ بعضُ مَن كان في ذلك الوقتِ من مشايخِ نيسابور؛ لمَّا رَأَوْا إِقبالَ النَّاسِ إليه، واجتِمَاعَهم عليه، فقال لأصحاب الحديث: إنَّ مُحمَّد بن إسماعيل يقول: "اللَّفظ بالقرآن مخلوقٌ، فامتَحِنُوه في المجلس"، فلما حَضَر النَّاسُ مجلسَ البُخاريِّ، قام إليه رجلٌ، فقال:"يا أبا عبدِ الله! ما تقول في اللَّفظِ بالقُرآن، مخلوقٌ هو أم غيرُ مخلوقٍ؟ "، فأعرَضَ عنه البُخارِيُّ ولم يُجِبْه، فقال الرَّجُل:"يا أبا عبد الله! " فأعاد عليه القولَ، فأعرضَ عنه، ثم قال في الثَّالثة، فالتفَتَ إليه البُخاريُّ، وقال:"القرآنُ كلامُ الله، غيرُ مخَلُوقٍ، وأفعالُ العباد مخلُوقةٌ، والامتحانُ بدعةٌ"، فشغَّب الرَّجُلُ، وشغَّب النَّاسُ، وقعد البخاريُّ في منزله.
وقال أبُو حامدٍ ابنُ الشَّرقِيِّ: سمعتُ مُحمَّدَ بنَ يحيَى الذُّهليَّ يقولُ: "القُرآنُ كلامُ الله، غيرُ مخلُوقٍ من جميع جِهاته، وحيث تُصُرِّفَ، فمن لَزِم هذا استغنَى عن اللَّفظ، وعمَّا سِواه من الكلام في القُرآن. ومن زَعَم أنَّ "القُرآن مخلوقٌ"، فقد كَفَرَ، وخرج عن الإيمان، وبانت منه امرأَتُه،