يُستَتَابُ، فإن تاب، وإلَّا ضُرِبَت عُنقُه، وجُعِل مالُه فَيْئًا بين المُسلِمين، ولم يُدفَن في مقابِرِهم. ومن وَقَف، فقال:"لا أقول مخلوقٌ، ولا غيرُ مخلُوقٍ"، فقد ضَاهَى الكُفرَ. ومن زَعَم أنَّ "لفظي بالقرآن مخلُوقٌ"، فهذا مُبتَدِعٌ، لا يُجالَس، ولا يُكلَّم. ومن ذَهَب بعد هذا إلى مُحمَّد بن إسماعيل البُخارِيِّ فاتَّهِمُوهُ، فإنَّه لا يَحضُر مجلِسَهُ إلَّا مَن كان على مِثل مذهَبِه".
وذَكَر بعضُ أهل العِلم أنَّ هذا كان حَسَدًا من الذُّهلِيِّ على البُخاريِّ، وأنا أَستَبعِدُ ذلك؛ فقد كان الذُّهْليُّ مِن أفاضل أهل العِلم وخِيارِهم، ولكن ما يُعابُ عليه أنَّهُ لم يَتَثَبَّت مِن مقالة البُخاريِّ، فإنَّ البُخاريَّ ما قال: "لفظي بالقُرآن مخلوقٌ"، إنَّما قال: "أفعالُنا مخلوقةٌ".
ثُمَّ امتدَّت المِحنَةُ، حتَّى خَرَج البُخارِيُّ من نيسابُور، فاستَقبَلَتهُ مِحنَةٌ أُخرَى عِندَما نَزَل بُخارَى، فقد قال بَكرُ بنُ منير بن خُليد بن عسكرٍ: بَعَثَ الأميرُ خالدُ بن أحمد الذُّهلِيُّ وَالِي بُخارَى، إلى مُحمَّد بن إسماعيلَ: "أن احمِلْ إليَّ كتابَ "الجامع" و"التَّاريخ" وغيرَهُما، لأسمع مِنك"، فقال لرسُولِه: "أنا لا أُذِلُّ العلمَ، ولا أَحْمِلُه إلى أبوابِ النَّاس، فإن كانت لكَ إلى شيءٍ منه حاجةٌ، فاحضر في مسجدي، أو في دارِي، وإن لم يُعجبْك هذا فإنَّك سلطانٌ، فامنَعنِي من المَجلِس، ليكون لي عُذرٌ عِند الله يومَ القِيامة، لأنّي لا أَكتُم العلم، لقول النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: مَن سُئِل عَن عِلمٍ فكَتَمَهُ أُلجِمَ بِلِجامٍ مِن نارٍ"، فكان سببَ الوَحشَة بينَهما هذا.
فلمَّا وقع هذا للإمام خَشِي على دِينِه، قال ابنُ عَدِيٍّ: سمعتُ عبد القُدُّوس