للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أهل الحديث، الذين هم فُرسان هذا المَيْدان، وإليهم فيه المَرجِع والشَّأن.

* * الوجه الثالث ..

أن العُلماء الذين مرَّ عليهم هذا الحديثُ، قبل أن يُخلَق الفخرُ الرَّازيُّ، فسَّرُوه تفسيرًا مُستَقِيمًا، ولم يَنصِبُوا التَّعارُضَ فيه بين صِدق إبراهيم - عليه السلام - وصِدقِ الرُّواة.

فقال الحافظُ في "الفتح" (٦/ ٣٩٢): "قال ابنُ عَقِيلٍ: دِلالَةُ العقل تَصرِفُ ظاهرَ إطلاق الكَذِب على إبراهيم، وذلك أنَّ العقل قَطَع بأنَّ الرَّسُول ينبغي أن يكُون موثُوقًا به، ليُعلَم صدقُ ما جاء به عن الله - عز وجل -، ولا ثقةٌ مع تجويز الكَذِب عليه، فكيف مع وُجُود الكَذِب منه، وإنَّما أُطلِق ذلك عليه لكَونِه بصورة الكَذِب عند السَّامع. وعلى تقديره، فلم يَصدُر من إبراهيم - عليه السلام - إلَّا في حال شِدَّة الخوف، لعُلُوِّ مقامه، وإلَّا فالكَذِبُ المحضُ في مِثل تلك المقاماتِ يجوزُ، وقد يَجِب تحمُّل أخفِّ الضَّرَرين دفعًا لأعظمِهِمَا، وأمَّا تسميتُهُ إيَّاها كِذباتٍ، فلا يُرِيد أنَّها تُذَمُّ، فإنَّ الكَذِب وإن كان قبيحًا مُخِلًّا، لكنَّهُ قد يَحسُنُ في مواضع، وهذا منها" انتهى، وهذا ما يُسمَّى عند العلماء بـ "المعاريض"، وهي مُباحَةٌ.

وقد حاول الفَخرُ الرَّازِيُّ عِند تفسيره لقوله تعالى: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} [الأنبياء: ٦٣]، أن يتخلَّص من دِلالة الآية على معنى التَّعريض، بوجُوهٍ ضعيفةٍ، وقد قال في (٢٢/ ١٨٦)، وهو يَذكُر هذه الكِذبات: "وإذا أمكن حملُ الكلام على ظَاهِره، من غير نسبة الكَذِب إلى الأنبياء - عليهم السلام -، فحينئذٍ لا يَحكُم بنِسبة الكَذِب إليهم إلَّا زِندِيقٌ"