حدَّثتَهم. واعلم! أنَّ قلبك وِعاءٌ، فانظُر ماذا تَحشُو به وعاءَك. واعزِف عن الدُّنيا، وانبِذها وراءَك، فإنَّها ليست لك بدارٍ، ولا لك فيها مَحَلُّ قرارٍ، وإنَّها جُعِلت بُلْغةً للعبَّاد، وليَتَزَوَّدُوا منها للمعاد. ويا مُوسَى! وطِّن نفسك على الصَّبر، تُلَقَّى الحِكَمَ. وأَشعِر قلبكَ التَّقوَى، تَنَلِ العِلمَ. وَرُضْ نَفسَك على الصَّبر، تَخلَصُ من الإثم. يا مُوسَى! تَفَرَّغ للعلم إن كُنتَ تُريدُه، فإنَّما العِلمُ لمن يَفرُغ له، ولا تكونَنَّ مِكثارًا بالمَنطِق مهدارًا، إنَّ كثرة المَنطِق تُشينُ العُلماء، وتُبدِي مساوئَ السُّخَفاء، ولكن عَلَيك بذِي اقتصادٍ، فإنَّ ذلك من التَّوفيق والسَّداد. وأَعرِض عن الجُهَّال، واحلُم عن السُّفهاء، فإنَّ ذلك فضلُ الحُكماء، وزَيْن العُلماء، إذا شَتَمَك الجاهلُ فاسكُت عنه سِلمًا، وجانِبه حَزْمًا، فإنَّ ما بَقِي من جهلِهِ عليك، وشتمِهِ إيَّاكَ، أكثَرُ وأعظمُ. يا ابنَ عِمرانَ! أَلَا ترَى أنَّك أُوتِيتَ من العِلم قليلًا، فإنَّ الاندِلَاثَ والتَّعَسُّفَ من الاقتحام والتَّكَلُّف. يا ابنَ عِمرانَ! لا تفتحنَّ بابًا لا تَدرِي ما غَلْقُه، ولا تُغلِقنَّ بابًا لا تدري ما فَتحُه. يا ابنَ عِمرانَ! من لا تَنتَهِي من الدُّنيا نهمَتُهُ، ولا تَنقَضِي منها رغبَتُهُ، كليف يكُون عابدًا؟ مَن يَحقِر حالَهُ، ويتَّهمُ اللهَ بما قَضَى له، كيف يكُون زاهدًا؟ هل يَكُفُّ عن الشَّهوات من قد غَلبَ عليه هواهُ؟ وينفَعُه طلبُ العِلم، والجهلُ قد حواه؟ لأنَّ سَفَرَه إلى آخرَته، وهو مُقبلٌ على دنياه. يا مُوسَى! تَعَلَّم ما تَعَلَّمَنَّ لتَعمَل به، ولا تَعَلَّمَهُ ليُتَحدَّث به، فيكونُ عليك بَوْرُهُ، ويكون لغيرك نُورُهُ. يا مُوسَى بنَ