أبي صالح، بدون تَصرِيحٍ بالسَّماع- قال مرَّةً:"سمعتُ أبا صالحٍ، أو بَلَغَنِي عنه"، ورواه الأعمشُ مرَّةً، عن رجُلٍ، عن أبي صالحِ. ذَكَر هذين البُخارِيُّ. وقال مرَّةً:"حُدِّثتُ عن أبي صالحٍ". ذَكَرَهُ التًّرمِذِيُّ. فتبيَّنَ أنَّ الأعمشَ جَزَم مرَّتَين بأنَّه سَمِعَهُ من آخرَ، عن أبي صالحٍ، وتشكَّكَ مرَّةً، وكان الغالِبُ يرويه عن أبي صالحٍ، بدون تصريحٍ بالسَّمَاع. والأعمشُ معرُوفٌ بالتَّدليس فيما يتحَقَّقُ عدمَ سماعِه، فما بالُك بما يشُكّ فيه؟ وإذا كان الأمرُ كذلك فلا مَعنَى للمُوازَنَة بين الأعمش ومُحمَّد بنِ أبي صالحٍ، وإنَّما الصَّوابُ المُوازَنَةُ بين رواية الأعمش، عن رجُلٍ لا يُدرَى مَن هُو، عن أبي صالحٍ، عن أبي هُريرَة، وبين رواية نافع ابن سُليمان ذاكَ الحديثَ، عن مُحمَّد بن أبي صالحٍ، عن أبيه، عن عائشة … [ثُمَّ قال:] فأمَّا حُكمُ الحديثِ، فلو صَرَّح الأعمشُ بسماعِهِ من أبي صالحٍ ولم يَأتِ عنه ما يُخالِفُ ذلك لكان صحيحًا، ولكن قد جَاءَ عنه ما عَرَفتَ، فلا يَكُون الحديثُ صحيحًا، ولا حَسَنًا. وكذلك، على قول الجُمهور، لا يكونُ صحيحًا مِن الوجه الآخر؛ لجهالة مُحمَّد بن أبي صالحٍ" ا. هـ.
كذا، انفَصَلَ الشَّيخُ -رحمه الله- على تضعيف الرِّوايَتَينِ معًا، وفي كلامه نَظَرٌ بخُصوص رواية الأعمش؛ ذلك أنَّ الأَعمَشَ قد ثَبَتَ تصريحُهُ بالسَّماع، كما مَرَّ ذِكرُه. فلو جاءت رِوايةٌ أُخرَى عن الأعمش، فيها "بَلَغَنِي"، أو "نُبِّئتُ"، ونحو ذلك من صِيَغ الانقطاع، فماذا يَضِيرُ سماعُه في الرِّواية الأُخرَى؟ فمن المُحتَمَل أن يكون الأعمشُ سَمِع الحديثَ من رَجُلٍ، عن أبي صالحٍ، ثُمَّ لَقِي أبا صالحٍ، وسأَلَهُ عن الحديث، فأخَذَهُ مُشافَهَةً،