فإنَّما ذلك بسبَبِ فِتنَةِ خَلقِ القُرآن، وأنَّ أحمدَ لم يكُن يُحدِّث عن رجلٍ تلبَّس بهذه الفِتنةِ وأجاب فيها، حتَّى ولو كان من أَجَلِّ الثِّقات، ومَوقِفُه من عليّ بن المَدينِيِّ وابنِ مَعِينٍ وغيرِهمَا معروفٌ. فالأَمرُ لا يتعلَّقُ إذن بثقة الرَّاوي من عدمه، بل إنَّ الإمامَ أحمدَ رَوَى عن بعض المَترُوكِين مثلِ عامرِ بن صالحٍ، ومُحمَّدِ بن القاسِمِ الأَسَدِيِّ، وعُمَرَ بن هارُونَ البَلْخِيِّ، ورَوَى عن ضُعَفاءَ ومجاهِيلَ، فكيف يَسَعُهُ أن يَروِي عن هؤُلاء ولا يَسَعُ عبدَ الله بنَ أحمدَ أن يروِي عن نَظَائِرهم.
• الوجه الثَّاني:
أن أحمد ضَعَّف أبا الصَّلتِ الهَرَوِيَّ نَصًّا، ونصَّ على هذا الحديثِ خُصُوصًا وأنَّه مُنكَرٌ ..
قال أبو بَكرٍ المَروَزِيُّ: سُئِل أبُو عبد الله عن أبي الصَّلتِ، فقال:"رَوَى أحاديثَ مناكيرَ"، قيل له:"رَوَى حديثَ مُجاهِدٍ، عن عليٍّ: أنا مدينةُ العِلمِ، وعليٌّ بابُها"، قال:"ما سَمِعنا بهذا"، قِيل له:"هذا الذي يُنكَر عليه؟ "، قال:"غيرُ هذا، أمَّا هذا فما سمِعنا به، روَى عن عبد الرَّزَّاق واحدًا لا نعرِفُها ولم نسمَعها"، قيل لأبي عبدِ الله:"قد كان عند عبدِ الرَّزَّاق مِن هذه الأحاديثِ الرَّديئة؟ "، قال:"لم أسمع منها شيئًا".
فهذا كلامُ أحمَدَ.
أمَّا كلامُ عبدِ الله بن أحمد في أبي الصَّلتِ، فقد قال العُقَيليُّ في "الضُّعَفاء"(٣/ ٧٠ - ٧١): "حدَّثني عبدُ الله بنُ أحمدَ بن حنبلٍ، قال: حدَّثَنا عبدُ السَّلام بنُ صالحٍ أبو الصَّلتِ الهَرَوِيُّ، قال: حدَّثَنا شريكٌ، عن