حابَى أبا الصَّلتِ، ولكنَّه أحسَنَ الظَّنَّ به. وكأنَّ الذَّهبيَّ أراد أن يَدفَعَ دعوَى المُحابَاةِ بآخِر كلامِهِ، فيقُولُ:"نحنُ نَسمَعُ من يحيى، ونتَّبعُ كلامَه في الرُّواة، إلَّا أن يَظهَرَ لنا أن يحيى خُدِع فيه"، وهذا حقٌّ، فقد يَخفَى أمرُ الرَّاوي السَّاقِطِ على النَّاقدِ الفَطِنِ من أمثال ابن مَعِينٍ، كما حدَثَ له مع مُحمَّدِ بن القَاسم الأَسَدِيِّ، فقد سُئل عنه ابنُ مَعِينٍ، فقال:"ثقةٌ، وقد كَتبتُ عنه"، مع أن سائرَ العُلماء ما بَينَ مُكذِّبٍ له، وتاركٍ. وكذلك مُحمَّدُ بنُ حُمَيدٍ الرَّازِيُّ، وثَّقَه أحمدُ وابنُ مَعِينٍ، وأسقَطَهُ سائرُ عُلماءِ الرَّيِّ، وهُم من أهل بلده، وهم أَعلَمُ به، وقد قال أبُو عليٍّ النَّيسابُورِيُّ لابن خُزَيمَة:"لو حدَّث الأستاذُ عن مُحمَّدِ بن حُميدٍ فإنَّ أحمدَ وابنَ مَعينٍ أحسنا الثَّناء عليه؟ "، فقال ابنُ خُزَيمَة:"إنَّهما لم يعرفاه كما عَرَفناه، ولو عرَفا ما عرَفناه لم يُحدِّثا عنه"، وقد ثبت رُجُوعُ أحمدَ ويحيى عن هذا التَّوثيق بعدُ.
فليس بغريبٍ أن يَخفَى أمرُ بعض الرُّواة المجرُوحين على بعض النُّقَّاد، حتَّى ولو كان في منزلة ابن مَعِينٍ.
أمَّا زعمُ الغُماريِّ أن أحمدَ وابنَه عبدَ الله وثَّقَاهُ، فإنَّه بَنَى هذا على نُصوصٍ وَرَدت أن عبدَ الله بنَ أحمدَ لم يَكُن يكتُبُ عن رجُلٍ إلَّا إذا رَضِيَهُ أبُوه، ولن يَرضَى أحمدُ بداهةً إلَّا عن رجُلٍ ثقةٍ.
فالجوابُ من وَجهَين ..
• الأوَّل: أن هذه النُّصوص التي أورَدَها الحافظُ في "تعجيل المَنفَعة" من أن عبدَ الله بنَ أحمد لم يَكُن يكتُبُ عن رجُلٍ إلَّا بإذن أبِيه ورضاهُ،