للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

استَوعَرُوا طريقَ الحَقِّ، واستَطَالُوا المُدَّةَ في دَرَكِ الحَظِّ، وأَحَبُّوا عُجالَةَ النَّيْلِ، فاختَصَرُوا طريقَ العِلمِ، واقتَصَرُوا على نُتَفِ حُرُوفٍ مُنتَزَعَةٍ عن معاني أُصول الفِقهِ سمُّوهَا عِلَلًا، وجَعَلُوهَا شعارًا لأنفُسِهم في التَّرَسُّمِ برَسْمِ العِلمِ، واتَّخَذُوها جُنّةً عند لقاء خُصُومِهِم، ونَصَبُوها دَرِيَئَةً للخَوضِ والجِدالِ يَتَنَاظَرُون بها ويَتَلَاطَمُون عليها، وعند التَّصَادُرِ عنها قد حُكِم للغَالِبِ بالحِذقِ والتَّبرِيزِ، فهو الفقيهُ المذكُورُ في عَصرِه، والرَّئيسُ المُعظَّمُ في بَلَدهِ ومِصرِهِ.

هذا، وقد دَسَّ لهم الشَّيطان حِيلَةً لطيفةً، وبَلَغ مِنهُم مَكِيدَةً بلِيغَةً، فقال لهم: هذا الذي في أَيدِيكُم عِلمٌ قصِيرٌ وبِضاعَةٌ مُزجَاةٌ، لا تَفِي بمَبْلَغِ الحاجَةِ والكِفايَةِ، فاستَعِينُوا عليه بالكَلامِ، وصِلُوهُ بمَقطَعَاتٍ منه، واستَظهِرُوا بأُصولِ المُتكلِّمِين، يتَّسِعُ لَكُم مذهبُ الخَوضِ ومَجَالُ النَّظَر. فصَدَّق عليهم ظَنَّهُ، وأطاعَهُ كثيرٌ منهُم واتَّبَعُوه، إلَّا فريقًا من المُؤمِنِين.

فيالَلرِّجال والعُقُول! أنَّى يُذَهَبُ بهم! وأنَّى يَختَدِعُهُم الشَّيطانُ عن حَظِّهم ومَوضِعِ رَشَدِهم! واللهُ المستعانُ.

وقد انتهيتُ أكرَمَكُم اللهُ إلى ما دَعَوتُم إليه بجَهدِي، وأتيتُ من مسألتِكُم بقدر ما تَيَسَّرتُ له، ورجوتُ أن يكُونَ الفقيهُ إذا ما نَظَر إلى ما أَثبَتُّهُ في هذا الكتاب من مَعَانِي الحديثِ ونهَجْتُهُ من طُرُق الفِقهِ المُتشَعِّبَةِ عنه، دعاهُ ذلك إلى طَلَب الحديثِ وتتَبُّعِ عِلمِهِ، وإذا تأمَّلَهُ صاحبُ الحديثِ رَغَّبَهُ في الفِقهِ وتعلَّمِهُ. والله الموفِّقُ" انتهى كلامُهُ.

• قُلتُ: وهذا التَّباعُدُ بين المُحَدِّثين والفُقهاء، والذي أشار إليه