للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وتَرَى أصحابَ أبي حنيفَةَ لا يَقبَلُون من الرِّوايَةِ عنه إلَّا ما حَكاهُ أبو يُوسُفَ ومُحمَّدُ بنُ الحسَن والعِليةُ من أَصحابِهِ والأَجِلَّةُ من تلامِيذِهِ، فإن جاءَهُم عن الحسَن بن زيادٍ اللُّؤلُؤيِّ وذَوِيهِ روايةُ قولٍ بِخلافِهِ، لم يَقبَلُوه ولم يَعتَمِدُوه.

وكذلك تجدُ أصحابَ الشَّافِعِي إنَّما يُعَوِّلُون في مذهَبِه على رواية المُزنِيِّ والرَّبيعِ بن سُليمانَ المُرَادِيِّ، فإذا جاءت روايةُ حَرمَلَةَ والجِيزِيِّ وأمثالهِمَا لم يَلتَفِتُوا إليها ولم يَعتَدُّوا في أقاويلِهِ.

وعلى هذا عادةُ كُلِّ فِرقَةٍ من العُلماء في أحكام مَذَاهِبِ أئمَّتِهم وأُستَاذِيهِم.

فإذا كان هذا دَأَبُهُم وكانوا لا يَقنَعُون في أمر هذه الفُروعِ وروايَتِها عن هؤلاء الشُّيوخِ إلَّا بالوَثِيقَةِ والثَّبتِ، فكيف يجُوزُ لهم أن يَتَساهَلُوا في الأَمرِ الأَهَمِّ والخَطْبِ الأَعظَمِ، وأن يَتَواكَلُوا الرِّوايَةَ والنَّقلَ عن إمامِ الأئِمَّةِ ورسُولِ ربِّ العِزَّةِ، الواجبِ حُكمُهُ، اللَّازِمَةِ طاعتُهُ، الذي يَجِبُ علينا التَّسلِيمُ لحُكمِهِ والانقيادُ لأمرِهِ، من حيثُ لا نَجِدُ في أنفُسِنا حرَجًا ممَّا قضاهُ، ولا في صُدورِنَا غِلًّا من شيءٍ مما أَبرَمَهُ وأمضَاهُ. أرأيتُم إذا كان للرُّجِل أن يتساهَلَ في أمرِ نَفسِهِ ويتسامَحَ عن غُرَمائِهِ في حقِّهِ، فيأخُذُ منهم الزَّيفَ ويُغضِي لهم عن العَيبِ، هل يجُوزُ له أن يَفعَلَ ذلك في حقِّ غَيرِه إذا كان نائبًا عنه، كوَلِيِّ الضَّعيفِ ووَصِيِّ اليتيم ووكيلِ الغَائب؟ وهل يكُونُ ذلك منه إذا فَعَلَهُ إلَّا خيانةً للعهد، وإِخفَارًا للذِّمَّةِ؟ فهذا هو ذاك، إمَّا عَيَانُ حِسٍّ وإمَّا عَيَانُ مِثْلٍ، ولكنَّ أقوامًا عَسَاهُم