للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الحَقِّ بلُزُوم التَّناصُر والتَّعَاوُن غيرَ مُتظَاهِرِين. فأمَّا هذه الطَّبَقَةُ الذين هم أهلُ الأثَرِ والحديثِ، فإنَّ الأكثرين مِنهُم إنَّما وَكَدُهُم الرِّواياتُ، وجَمعُ الطُّرُقِ، وطَلَبُ الغريب والشَّاذِّ من الحديث الذي أكثَرُهُ موضوع أو مقلوبٌ، لا يُراعُونَ المُتُونَ، ولا يتفهَّمُونَ المعاني، ولا يستَنبِطُون سيَرَها، ولا يستخرِجُونَ رِكَازَهَا وفِقهَهَا، ورُبَّما عابُوا الفُقهاءَ وتناوَلُوهُم بالطَّعن وادَّعَوْا عليهم مُخالَفَة السُّنَنِ، ولا يعلَمُون أنَّهم عن مَبلَغِ ما أُوتُوهُ من العِلمِ قاصِرُون، وبسُوءِ القَول فيهم آثِمُون.

وأمَّا الطبقةُ الأخرى وهم أهلُ الفِقهِ والنَّظرِ، فإنَّ أكثرَهُم لا يُعَرِّجُون من الحديثِ إلَّا على أَقَلِّه، ولا يكادُونَ يُميِّزون صحيحَهُ من سَقِيمِهِ، ولا يَعرِفُون جيِّدَهُ من رَدِيئِهِ، ولا يَعبَؤُونَ بما بَلَغَهم منه أن يحتجُّوا به على خُصومِهِم إذا وافَقَ مَذَاهِبَهم التي يَنتَحِلُونَها ووافَق آراءَهُم التي يَعتَقِدونَها، وقد اصطَلَحوا على مُواضَعَةٍ بينَهُم في قَبُول الخبر الضَّعيفِ والحديثِ المُنقَطِع إذا كان ذلك قد اشتَهَر عِندَهُم، وتعاوَرَتْهُ الأَلسُنُ فيما بَينَهُم، من غير ثَبتٍ فيه أو يَقِينِ عِلمٍ به، فكان ذلك ضِلَّةٌ من الرَّأي، وغَبْنًا فيه، وهؤُلاء - وفَّقَنا اللهُ وإيَّاهُم - لو حُكِي لهم عن واحدٍ من رُؤَساءِ مذاهِبِهم، وزُعَماء نِحَلِهِم، قولٌ يقُولُهُ باجتهادٍ من قِبَلِ نفسِهِ، طَلَبوا فيه الثِّقَة واسْتَبرَؤُا له العُهدةَ، فتَجِدُ أصحابَ مالكٍ لا يَعتَمِدُون من مَذهَبِه إلَّا ما كان مِن روايةِ ابن القَاسِمِ والأَشهَبِ وضُرَبَائِهِم من تِلَادِ أصحابِهِ، فإذا جاءت روايةُ عبدِ الله بن عبدِ الحَكَم وأَضرَابِهِ، لم تَكُن عندهم طائِلًا.