للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مطلَع كتابِهِ "معالم السُّنَن" (١/ ٢ - ٦):

"أمَّا بعدُ، فقد فهمتُ مُسائَلَتكُم إخواني أكرَمكُم الله، وما طلبتُمُوه من تفسيرِ كتاب "السُّنَن" لأبي داوُد سليمانَ بن الأشعثِ، وإيضاحِ ما يُشكَلُ من مُتُون ألفاظِهِ، وشرحِ ما يُستَغلَقُ من معانيه، وبيانِ وُجوه أحكامِهِ، والدِّلالة على مواضع الانتزاعِ والاستنباطِ من أحاديثه، والكشفِ عن معاني الفقهِ المُنطَوِيَةِ في ضِمنِها، لتستفيدُوا إلى ظاهرِ الرِّواية لها باطنَ العِلمِ والدِّرايةَ بها. وقد رأيتُ الذي نَدَبتُمُونِي له وسألتُمُونِيهِ من ذلك أمرًا لا يَسَعُنِي تركُهُ، كما لا يسعُكُم جهلُهُ، ولا يجُوزُ لي كتمانُهُ، كما لا يجوزُ لكم إغفالُهُ وإهمالُهُ؛ فقد عاد الدِّينُ غريبًا كما بدأَ، وعادَ هذا الشَّأنُ دارسةً أعلامُهُ، خاويةً أطلالُهُ، وأصبحت رِباعُهُ مهجُورَةً، ومسالكُ طرقِهِ مجهولَةً.

ورأيتُ أهلَ العِلمِ في زماننا قد حَصَلُوا حِزبَين وانقَسَموا إلى فرقتين: أصحابِ حديثٍ وأثَرٍ، وأهلِ فقهٍ ونَظَرٍ، وكُلُّ واحدةٍ منهُما لا تتميَّزُ عن أُختِها في الحاجَة، ولا تَستَغنِي عنها في دَرْكِ ما نَنْحُوهُ من البُغيَة والإِرادَةِ؛ لأنَّ الحديثَ بمَنزِلَةِ الأساس الذي هو الأَصلُ، والفقهَ بمنزلةِ البِناءِ الذي هو له كالفَرعِ، وكُلُّ بناءٍ لم يوضَع على قاعدةٍ وأساسٍ فهُو مُنهارٌ، وكلُّ أساسٍ خَلَا عن بناءٍ وعِمارةٍ فهو قَفرٌ وخَرَابٌ.

ووجَدتُ هذين الفَرِيقَين على ما بَينَهُم من التَّدَاني في المَحِلَّين، والتَّقارُبِ في المنزلَتَين، وعُمُومِ الحاجةِ من بعضهم إلى بعضٍ، وشُمولِ الفَاقَةِ اللَّازمَة لكل منهم إلى صاحبه، إخوانًا مُتهاجِرِينَ، وعلى سبيلِ