عَلِم وعَمَد إلى عداء السُّنَّة، وممَّن جَهِل وتجرَّأ.
فمنهم من حَمَل على أبي هُريرَة، وطَعَن في روايَاتِه وحفظِه، بل مِنهُم من جَرُؤ على الطَّعن في صِدقِه فيما يَروِي! حتى غَلَا بعضُهم، فزَعَم أنَّ في "الصَّحيحين" أحاديثَ غيرَ صحيحةٍ، إنْ لم يَزعُم أنَّها لا أصل لها! بما رَأَوا من شُبهاتٍ في نقد الأئمَّة لأسانيدَ قليلةٍ فيهما، فلَم يَفهَمُوا اعتراضَ أولئك المُتقدِّمين، الذِين أرادُوا بنَقدِهم أنَّ بعض أسانيدِهِما خارجةٌ عن الدَّرجة العُليا من الصِّحَّة التي التزَمَها الشيخان، لم يُرِيدُوا أنَّها أحاديثُ ضعيفةٌ قطُّ.
ومِن الغَرِيب أنَّ هذا الحديثَ بِعينِه - حديثَ الذُّباب - لم يَكُن ممَّا استدرَكَهُ أحدٌ من أئمة الحَدِيث على البُخارِيِّ، بل هو عِندَهُم جميعًا ممَّا جاء على شَرطِه، في أعلَى درجات الصِّحَّةِ.
ومن الغَرِيب أيضًا أنَّ هؤُلاء الذين حَمَلُوا على أبي هُريرَة، على عِلمِ كثيرٍ منهم بالسُّنَّة وسعة اطِّلاعِهِم - رحمهم الله -، غَفَلُوا، أو تغافَلُوا، عن أنَّ أبا هُريرَة - رضي الله عنه - لم يَنفَرِد بروايتِه. بل رواه أبُو سعيدٍ الخُدرِيُّ أيضًا، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، عند أحمد في "المُسنَد"(١١٢٠٧، ١١٦٦٦)، والنَّسائِيِّ (٢/ ١٩٣)، وابن ماجَهْ (٢/ ١٨٥)، والبَيهقِيِّ (١/ ٢٥٣)، بأسانيدَ صِحاحٍ. ورواه أنَسُ بن مالكٍ أيضًا، كما ذكرَهُ الهيثَمِيُّ في "مجَمَع الزَّوائد"(٥/ ٣٨)، وقال:"رواه البَزَّار، ورجالُه رجالُ الصَّحيح، ورواه الطَّبرَانِيُّ في الأوسط"، وذكره الحافظُ في "الفتح"(١٠/ ٢١٣)، وقال:"أخرَجَهُ البَزَّارُ، ورجالُهُ ثقاتٌ".