وما أفضتُ لك في هذا إلَّا خَشيةً عليك مِن حساب الله. أمَّا النَّاس في هذا العَصر فلا حِساب لهم، ولا يُقَدِّمُون في ذلك ولا يُؤَخِّرُون. فإنَّ التَّربية الإفرِنجِيَّة الملعُونَة جعَلَتهُم لا يَرضَعون بالقُرآن إلَّا على مَضَضٍ، فمِنهُم من يُصرِّح، ومنهم من يتأوَّل القُرآن أو السُّنَّة، ليُرضِي عقلَه المُلتَوِي، لا ليَحفَظهما من طعن الطَّاعِنين. فهُم في الحقيقة لا يُؤمِنُون، ويَخشَون أن يُصَرِّحُوا، فيَلتَوُون. وهكذا هم حتى يأتِيَ اللهُ بأمره.
فاحْذَر لنَفسِك مِن حساب الله يوم القيامة. وقد نَصحتُك وما أَلوتُ. والحمدُ لله".
وأمَّا الجاهلون الأَجرِيَاء فإنَّهُم كُثُرٌ في هذا العَصر. ومِن أعجَب ما رأيتُ من سَخَافَاتِهم وجُرأتهم: أن يَكتُب طبيبٌ، في إِحدَى المجلَّات الطِّبِّيَّة، فلا يَرَى إلَّا أنَّ هذا الحديثَ لم يُعجِبه، وأنَّه يُنافِي عِلمَه! وأنَّه رواه مؤلِّفٌ اسمُه "البُخارِيُّ"! فلا يجد مجالًا إلَّا الطَّعن في هذا "البُخارِيِّ"، ورَميَهُ بالافتراء والكَذِب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -!
وهو لا يَعرَفُ عن "البُخارِيِّ" هذا شيئًا، بل لا أظُنُّه يعرفُ اسمَه ولا عَصرَهُ ولا كتابَهُ! إلَّا أنَّه روَى شيئًا، يراهُ هُو - بعِلمِه الواسع - غيرَ صحيحٍ! فافترَى عليه ما شاء، ممَّا سيُحاسَب عليه بين يدي الله حِسابًا عَسيرًا.
ولم يَكُن هؤُلاء المُعتَرِضُون المُجتَرِئُون أوَّلَ من تكلَّم في هذا، بل سَبقَهُم مِن أمثَالهِم الأَقدَمُون، ولكنَّهم كانُوا أكثَرَ أدَبًا من هؤلاء!
فقال الخطَّابِيُّ في "معالم السُّنَن" (رقم ٣٦٩٥ من "تهذيب السُّنَن"):