للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"وقد تكلَّم في هذا الحديثِ بعضُ من لا خَلَاق له، وقال: كيف يكُونُ هذا؟ وكيف يَجتَمِعُ الدَّاء والشِّفَاءُ في جناحَي الذُّبَابة؟ وكيفَ تَعلَمُ ذلك مِن نَفسِها حتى تُقَدِّم جناح الدَّاء، وتُؤخِّر جناح الشِّفاء؟ وما أرَبُها في ذلك؟!

قلتُ [القائل الخطَّابيُّ]: وهذا سؤالُ جاهلٍ أو مُتجاهِلٍ؛ وإنَّ الذي يَجِدُ نفسَه ونُفوسَ عامَّة الحيوان قد جُمع فيها بين الحَرَارة والبُرُودة، والرُّطُوبة واليُبُوسَة، وهي أشياءُ مُتضادَّةٌ، إذا تَلاقَت تَفاسدَت، ثمَّ يَرَى أنَّ الله سُبحانَهُ قد ألَّف بينها، وقَهَرَها على الاجتماع، وجَعَل مِنهَا قُوي الحيوانِ التي بها بَقاؤُها وصلاحُهَا، لجَدِيرٌ أن لا يُنكِر اجتماعَ الدَّاء والشِّفاء في جُزأَين من حيوانٍ واحدٍ، وأنَّ الذي أَلهَمَ النَّحلَة أن تتَّخِذ البيتَ العجيبَ الصَّنعةِ، وأن تَعْسِلَ فيه، وأَلهَمَ الذَّرَّة أن تكَتِسَب قُوَّتها وتدَّخِرَه لِأوان حاجَتِها إليه، هو الذي خَلَق الذُّبَابة، وجَعَل لها مِن الهِدَاية إلى أن تُقَدِّم جَناحًا وتُؤَخِّر جَناحًا، لما أَرادَهُ اللهُ من الابتلاء، الذي هو مَدرَجَةُ التَّعبُّد، والامتحانِ الذي هو مِضمَارُ التَّكليف. وفي كُلِّ شيءٍ عِبرةٌ وحِكمَةٌ. وما يَذَّكَّر إلَّا أُولُوا الألباب".

وأمَّا المعنى الطِّبِّيُّ، فقال ابنُ القَيِّم - في شأن الطِّبِّ القديم - في "زاد المَعاد" (٣/ ٢١٠ - ٢١١): "واعلَم! أنَّ في الذُّباب قُوَّةً سُمِّيَّةً، يدُلُّ عليها الوَرَمُ والحَكَّةُ العارِضةُ مِن لَسعِه. وهي بمنزِلَةِ السِّلاح، فإذا سَقَط فيما يُؤذِيهِ اتَّقاهُ بسِلاحِهِ. فأمَرَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن يُقابِل تلك السُّمِّيَّةَ بما أَودَعَهُ الله في جَناحِه الآخر من الشِّفاء، فيُغمَس كلُّه في الماء والطَّعام،