للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال: ٢٤]، وقولُهُ تعالى: {وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ} [النساء: ١٥٥]، وقال تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام: ١١٠]، فأخبَرَ اللهُ تعالى أنَّهُ قلَّبَ أفئِدَتَهُم مِثلَ تَركِهِم الإيمان أوَّلَ مرَّةٍ. وهكذا فَعَل بفرعونَ، مَنعَهُ من الإيمانِ جزاءً على تَركِهِ الإيمانِ أوَّلًا. فدسُّ الطِّينِ في فِي فرعونَ من جِنسِ الطَّبعِ والخَتْمِ على القَلبِ، ومَنعِ الإيمانِ، وصَونِ الكَافِرِ عنه، وذلك جزاءً على كُفرِهِ السَّابِقِ. وهذا قولُ طائفةٍ من المُثبِتِينَ للقَدَرِ، القَائِلِينَ بخَلقِ الأَفعالِ لله. ومن المُنكِرِينَ لخَلقِ الأَفعَالِ مَن اعتَرَف أيضًا أنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَفعَلُ هذا عُقوبَةً للعبد على كُفرِهِ السَّابِقِ، فيَحسُنُ مِنهُ أن يُضِلَّهُ، ويَطبَعَ على قَلبِهِ، ويَمنَعَهُ من الإيمانِ. فأمَّا قِصَّةُ جِبريلَ علَيْهِ السَّلام فإنَّهَا من هذا البابِ، فإنَّ غايَةَ ما يُقالُ فيه إنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَنَع فرعونَ من الإيمانِ، وحالَ بَينَهُ وبَينَهُ؛ عُقُوبةً له على كُفرِهِ السَّابقِ وردِّهِ للإيمانِ لمَّا جاءَهُ. وأمَّا فِعلُ جبريلَ مِن دَسِّ الطِّين فإنِّما فَعَل ذلك بأمرِ الله، لا مِن تِلقاءِ نَفسِهِ.

فأمَّا قولُ الإمامِ: "لم يَجُزْ لجبرِيلَ أن يَمنَعَهُ من التَّوبة، بل يَجِبُ عليه أن يُعِينَهُ عليه، وعلى كُلِّ طاعةٍ"، هذا إذا كان جِبريلَ كتَكلِيفِنَا، يجبُ عليه ما يَجِبُ علينا، وأمَّا إذا كان جبريلُ إنَّما يَفعَلُ ما أَمَرَهُ اللهُ به، واللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو الذي مَنَع فرعونَ من الإيمانِ، وجبريلُ مُنَفِّذٌ لأمر الله، فكيفَ لا يجُوزُ له مَنعُ مَن مَنَعَهُ اللهُ من التَّوبة؟ وكيف يَجِبُ عليه إعانةُ مَن لم يُعِنهُ الله؟ بل قَد حَكَم عليهِ وأخَبَر عَنهُ أنَّهُ لا يُؤمِنُ حتَّى يَرَى