للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: ٤٤]، ثُمَّ يأمرُ جبريلَ عَلَيْهِ السَّلام بأن يمنَعَهُ من الإيمان. ولو قِيلَ: إنَّ جبريلَ عَلَيْهِ السَّلام إنَّمَا فَعلَ ذلك مِن عِندِ نَفسِهِ، لا بأمرِ الله تعالَى، فهذا يُبطلُهُ قولُ جِبريلَ: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ} [مريم: ٦٤]، وقولُه تعالى في صِفَتِهِم: {وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء: ٢٨]، وقولُه: {لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء: ٢٧]. وأمَّا إن قيل: إنَّ التَّكليفَ كان زائلًا عن فِرعَونَ في ذلك الوَقتِ، فحينئذٍ لا يَبقَى لهذا الفعلِ الذي نُسب جبريلُ إليه فائدةٌ أصلًا" انتهَى.

* قلتُ: وهذه طريقةٌ للفَخرِ الرَّازِيِّ في الاعتراض على صَحِيحِ الأخبارِ، إذ يُورِدُ عليها مِثلَ هذه الشُّبُهاتِ، ولا يَجتَهِدُ في البَحث عن مخَارِجَ مقبُولَةٍ.

وقد أبنتُ عن طريقَتِه هذه في كتابي "قَوَادِمُ البَازِي المُنقَضِّ على تفسِيرِ الفَخرِ الرَّازِي". ومنه أنقُلُ هذا الرَّدَّ؛ لأنَّه لم يُطبَع بعدُ.

فقد أجابَ العُلماءُ عن هذا الاعتراضِ، منهُمُ الخازِنُ في "تفسيره"، فقال مجُيبًا - كما في "تُحفَة الأَحوَذِي" (٨/ ٥٢٧ - ٥٢٨) -: "إنَّ الحديثَ قد ثَبَتَ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فلا اعتراضَ عليه لأحدٍ. وأمَا قولُ الإمامِ: "إنَّ التَّكليفَ هل كانَ ثابتًا في تلك الحالةِ أم لا؟ فإنْ كانَ ثابتًا لم يَجُزْ لجبريلَ أن يَمنَعَهُ من التَّوبةِ"، فإنَّ هذا القولَ لا يَستَقِيمُ على أَصلِ المُثبِتينَ للقَدَرِ، القَائِلينَ بخَلقِ الأَفعالِ لله، وأنَّ الله يُضِلُّ مَن يشاءُ، ويَهدِي من يَشاءُ. وهذا قَولُ أهلِ السُّنَّةِ المُثبِتِينَ للقَدَرِ، فإنَّهُم يقُولُون إنَّ الله يَحُولُ بين الكافر والإيمانِ، ويدُلُّ على ذلك قولُه تعالَى: {وَاعْلَمُوا