للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وعُثمانُ بن زُفَرَ صدوقٌ.

وبعد كتابَةِ ما تقدَّمَ بزمانٍ، وبينما أنا أقرأُ في كتابِ "خواطر دينيَّةٍ" (ص ٢٨)، لأبي الفَضلِ الغُماريِّ، إذ وجدتُه يقولُ: "هذا حديثٌ مُنكَرٌ، وإن كان إسنادُهُ صحيحًا؛ وجبرِيلُ لا يقُولُ هذا؛ لأنَّهُ نزلَ على أُمِّ مُوسى بقوله تعالى: {يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ}، وهُو يعلَمُ أنَّ خَبَر الله لا يتخلَّفُ. ولو سُلِّمَ جَدَلًا أنَّ الله أراد قَبُولَ إيمان فِرعَونَ، فلا يستطيعُ جِبريلُ أن يمنَعَهُ بدَسِّ الطِّينِ في فَمِهِ؛ وما كانت وظِيفَتُهُ قطُّ مَنعُ قبُولِ الإيمانِ" انتهَى.

* قلتُ: وقد تدبرتُ اعتراضَهُ، فإذا هُو مأخُوذٌ من اعتراضٍ للفَخر الرَّازِيِّ، إذ أَورَدَ في "تفسيره" (١٧/ ١٦٣) سُؤالًا، قال فيه: "هل يَصِحُّ أن جِبريلَ عَلَيْهِ السَّلام أَخَذَ يملأُ فَمَهُ - يعني: فرعونَ - بالطِّين لئلَّا يتُوبَ؛ غَضَبًا عليه؟ "، ثُمَّ أجاب قائلًا: "الأَقرَبُ أنَّهُ لا يَصِحُّ؛ لأنَّ في تلك الحالَةِ إمَّا أن يُقالَ: التَّكليفُ كان ثَابِتًا، أو ما كان ثَابِتًا. فإن كان ثابتًا لم يَجُزْ على جبريلَ عَلَيْهِ السَّلام أن يَمنَعَهُ من التَّوبة، بل يجبُ عليه أن يُعِينَهُ على التَّوبة، وعلى كُلِّ طاعةٍ؛ لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: ٢]. وأيضًا، فلو مَنَعَهُ بما ذَكَرُوهُ لكانت التَّوبَةُ مُمكِنَةً؛ لأنَّ الأخرسَ قد يتُوبُ، بأن يندَمَ بقلبِهِ ويَعزِمَ على تَركِ مُعاوَدَةِ القَبيحِ، وحينئذٍ لا يَبقَى لما فَعَلَهُ جِبريلُ عَلَيْهِ السَّلام فائدةٌ. وأيضًا، لو مَنَعَهُ من التَّوبة لكان قد رَضِي ببقائِهِ على الكُفرِ، والرِّضا بالكُفرِ كُفرٌ. وأيضًا، فكيف يليقُ بالله تعالى أن يقُولَ لمُوسَى وهارُونَ - عليهما السَّلامُ -: {فَقُولَا