في دِينِنَا برَأيِهِ فاقتُلُوهُ"، فقال ابنُ مَعِينٍ: "ينبَغِي أن نَبدَأَ بسُوَيدٍ فيقتَلُ"!
وأنكَرُوا عليه أحاديثَ، إِمَّا دَلَّسَها عن رِجالٍ. مجرُوحِينَ، وإمَّا لَقَنُوهُ إيَّاهَا فرَوَاهَا. وهذا كافٍ في إِسقاطِ أَيِّ راوٍ. فما دَخلُ العَصَبِيَّةِ المَذهَبِيَّةِ هنا؟!
وهذا دَأَبُ الغُمَارِيِّ، إذا لم يَجِد جَوابًا سَدِيدًا على اتِّهامٍ قَويٍّ، اختَرَعَ تُهمةً فأَلصَقَهَا بالخَصمِ، كما اتَّهَم البُخارِيَّ بأنَّهُ يميلُ إلي مَذهَب "النَّصبِ" لمُجرَّدِ أنَّه رَوَى عن رِجالٍ يَمدَحُون من يُنَاصِبُ عليًّا - رضي الله عنه - الخُصُومَةَ، كما مضَى التَّنبِيهُ على ذلك في الحديثِ رقم (٣١).
وإذا كانَت العَصَبِيَّةُ المَذهَبِيَّةُ الحَنَفِيَّةُ تحملُ ابنَ مَعِينٍ على جَرحِ مَن ليس بمجُروحٍ، فلِمَ لم يَتكَلَّم ابنُ مَعِينٍ في مالكٍ والثَّورِيِّ والأَوزَاعِيِّ وغيرِهِم كَثِيرٍ، وقد تكلَّمُوا في أبي حَنِيفَةَ نَفسِه؟
مع أنَّ كلامَ الثَّورِيِّ فيه صرِيحٌ جدًّا، ومُؤذٍ للحنفيَّة غاية الإيذاء، فقد قال: "لم يُولَد في الإسلام مولُودٌ أشأَمَ عليه من أبي حَنِيفَةَ"، وقال أيضًا: "استَتبتُ أبا حنِيفَةَ من الكُفرٍ مرَّتَين".
وقد زكَّى ابنُ مَعِينٍ عشراتِ الرُّواةِ مِن هذا الضَّربِ ممَّن يُعَادُونَ الحَنَفِيِّين، فلِمَ انفَردَ سويدٌ بهذا دُونَهُم جَميعًا؟!
* الثَّالثةُ: أنَّ كلامَهُ في المُناوِيِّ هنا في غاية الرِّفق، وإلَّا فمِن عادة الغُماريِّ أن يَسُبَّ المُناوِيَّ بأقذعِ أنواعِ السِّبابِ وأغلظِهِ، بحيثُ لو جرَّدتُ شتائمَهُ للمُناوِيِّ وغيرِهِ من العُلماء - لاسيَّما علماءَ الحديثِ - لجاء في مجُيلِيدٍ لطيفٍ.