للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"وهُو في نَقدِي حديثٌ باطلٌ موضوعٌ، ما نَطَق به رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ولا رواه عنه أبُو هُريرةَ. وكيفَ ينطِقُ مَن لا يَنطِق عن الهَوَى بما يُخالِف الواقِعَ؟! فما الصَّوَّاغُون والصَّبَّاغُون بأكذبِ النَّاس، ولا هُم مخَصُوصون بذلك مِن بين سائر الصُّنَّاع. وإذا كان يُرَدُّ بِمِثل هذا ولو كان مِن رواية الثِّقة، بل من رواية الآحاد، فكيف به وهُو مِن رواية الضُّعفاء والمَترُوكين؟ [ثمَّ خَتَمَ بحثَه بذِكر لفظِ الدَّيلَمِيِّ، يقول: "أكذَبُ النَّاس الصُّنَّاع فقال:] وفي هذا السَّنَد ضُعفاءُ، على أنَّه أعمُّ مِن الذي قبله، وفيه مُوافَقةٌ للواقع، ومع ذلك فإنِّي أجزِمُ ببُطلانِه أيضًا، وأنَّه ما خرج من شفتي النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - " انتهَى.

• قلتُ: كذا قال! ومُخالَفةُ الواقِع أمرٌ نِسبيٌّ يخضعُ للمَفهوم، والمَفهُومُ لا يَنحَصِر، وقد يَتَوَهَّمُ المرءُ الشَّيءَ ولا يكونُ كما توهَّمَه. فيَرُدُّ حديثَ الثِّقة بمثل هذا، وفي هذا جِنايَةٌ على النُّصوص. وقد ردَّ الغُمارِيُّ رواياتٍ لثقاتٍ مشهورين بهذا الأصل الباطِل.

ونحنُ نوافقه على أن حديث: "أكذَبُ النَّاس الصَّبَّاغون. . ." باطلٌ موضوعٌ. لكن لو توهَّمنا - جَدَلًا - أن الحديث صحيحٌ، فيُمكنُ تأويلُ دلالته، بأنَّ أفعلَ التَّفضيل هنا خَرجَ على غير بَابِهِ، وإلَّا لَلَزِمَنَا أن نرُدَّ حديثَ: "ما أقَلَّت الغَبراءُ ولا أظلَّت السَّماءُ أصدقَ لهجةً مِن أبي ذَرٍّ" وما أشبهَهُ. فلقائلٍ أن يقول: هذا كَذِبٌ، وإلَّا فأبو بكرٍ الصِّدِّيقُ أصدقُ منه، فكيف يفوقُهُ أبُو ذَرٍّ في شيءٍ صار لقبًا عليه وهو "الصِّدِّيق"؟ ولكن للعُلماء في هذا تأويلاتٌ سائغةُ تُراجَع من مَظانِّها.