مَعمَرًا أثبَتُ من حمَّادٍ، فإنَّ حمَّادًا تُكُلِّم في حِفظِه، ووَقَعَ في أحاديثِهِ مناكيرُ، ذَكَرُوا أن رَبِيبَهُ دسَّها في كُتُبِه، وكان حمَّادٌ لا يَحفَظُ، فَحدَّث بها، فوَهِمَ، ومِن ثمَّ لم يُخَرِّج له البُخاريُّ شيئًا، ولا خَرَّج له مُسلِمٌ في الأُصول، إلَّا مِن حديثه، عن ثابتٍ. . . وأمَّا مَعمَرٌ فَلَم يُتكَلَّم في حِفظِه، ولا استُنكِرَ شيءٌ من حديثِه، واتَّفَقَ الشَّيخانِ على التَّخريج له، فكان لفظُهُ أثبتَ. . . [ثُمَّ ذَكَرَ السِّيُوطِيُّ شاهدًا لحديث مَعمَرٍ، مِن حديث سعد بن أبي وَقَّاصٍ - رضي الله عنه -] ".
وقد ألَّف السِّيُوطِيُّ في هذه المسألة مُؤَلَّفاتٍ سبعةً، وهو يُكَرِّرُ في كُلِّ جُزءٍ ما يكونُ مذكُورًا في جُزءٍ آخرَ، وقَلَّما يأتي بزِيادةٍ نافعةٍ، بل التَّكَلُّفُ هو السِّمةُ الظَّاهِرةُ فيها، بِحَيثُ يُقلِّبُ المرءُ كفَّيه عَجَبًا من ضَيَاع المنهج العِلميِّ الرَّصين في سائِرِها.
وقد وَقَعَ السِّيُوطِيُّ في سائِرِهَا في تَكَلُّفٍ مُدهِشٍ، حتَّى وَصَل به الحالُ أن خَالَف قانُون العِلمِ في مسائِلَ يطُولُ الأمرُ بِذِكرِها، ومِنهَا هذه المسألةُ التي يسألُ عنها السائلُ.
وسأَجعَلُ هذه المسأَلةَ آيةً، يَقِيسُ عليها القارئُ ما غاب عَنهُ من جواب السِّيُوطِيِّ رحمه الله.
والجوابُ من وجوهٍ.
• الأوَّل: أن السِّيُوطِيَّ ضعَّف حديثَ مُسلِمٍ، وبَنَى تضعيفَه على مُقَدِّمةٍ، وهي أن مَعمَرَ بنَ راشدٍ خالَف حمَّادَ بنَ سَلَمة في لفظِه، ومَعمَرُ بنُ راشدٍ أوثَقُ من حمَّاد بن سلَمة.