وبعد هذا البَيَان، فما هي قِيمَةُ المُفَاضَلة التي عَقَدَها السِّيُوطِيُّ بين الرَّجُلَين؟!
فالصَّوابُ: روايةُ حمَّاد بن سَلَمة. وروايةُ مَعمَرِ بن راشدٍ مُنكَرَة.
* الثاني: قولُ السِّيُوطِيِّ: "إِنَّ ربيب حمَّاد بن سلَمة دسَّ في كُتُبِه أحاديثَ مَنَاكِيرَ، وانطلى أمرُها على حمَّادٍ؛ لسُوء حِفظِه".
وهذه "تُهمَةٌ فاجرةٌ"، كما قال الشَّيخُ المُعَلِّمِيُّ رحمه الله في "التَّنكيل"(١/ ٢٤٣).
ومُستَنَدُ كُلِّ من تكلَّم بهذه التُّهمَة، ما ذَكَرَهُ الذَّهَبيُّ في "ميزان الاعتدال"(١/ ٥٩٣) من طريق الدُّولَابِيِّ، قال: حدَّثَنا مُحمَّدُ بنُ شُجاع بن الثَّلجِيِّ، حدَّثَني إبراهيمُ بنُ عبد الرَّحمن بن مَهدِيٍّ، قال:"كان حمَّادُ بنُ سَلَمة لا يُعرَفُ بهذه الأحاديث - يعني أحاديث الصِّفات -، حتَّى خَرَجَ مَرَّةً إلى عَبَادَانَ، فجاء وهو يَروِيها، فلا أَحسَبُ إلَّا شيطانًا خرج إليه من البحر، فألقاها إليه! ". قال ابنُ الثَّلجيِّ:"فسَمِعتُ عبَّاد بن صُهيبٍ يقول: إنَّ حمَّادًا كان لا يَحفَظُ، وكانُوا يقولُون إنَّها دُسَّت في كُتُبه. وقد قيل: إنَّ ابنَ أبي العَوجَاءَ كان رَبِيبَهُ، فكان يَدُسُّ في كُتُبه". وعلَّق الذَّهَبيُّ على هذه الحكاية بقوله:"ابنُ الثَّلجِيِّ ليس بِمُصَدَّقٍ على حمَّادٍ وأمثالِه، وقد اتُّهم. نسألُ الله السَّلامة" انتهَى.
وابنُ الثَّلجِيِّ هذا كان جَهميًّا، عدُوًّا للسُّنَّة، وقد اتَّهمَهُ ابنُ عَدِيٍّ بِوَضعِ الأحاديث، ويَنسِبُهَا لأهل الحديث؛ يَثلُبُهم بذلك، فالحِكاية كُلُّها كَذِبٌ، فكَيفَ يُثلَبُ حمَّادُ بنُ سَلَمة بمثل هذا؟!