للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَمَنْ اجْتَازَ بِعَرَفَاتٍ نَائِمًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا عَرَفَاتٌ جَازَ عَنْ الْوُقُوفِ) لِأَنَّ مَا هُوَ الرُّكْنُ قَدْ وُجِدَ وَهُوَ الْوُقُوفُ، وَلَا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ بِالْإِغْمَاءِ وَالنَّوْمِ كَرُكْنِ الصَّوْمِ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا لَا تَبْقَى مَعَ الْإِغْمَاءِ، وَالْجَهْلُ يُخِلُّ بِالنِّيَّةِ وَهِيَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِكُلِّ رُكْنٍ

(وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَأَهَلَّ عَنْهُ رُفَقَاؤُهُ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) (وَقَالَا: لَا يَجُوزُ، وَلَوْ أَمَرَ إنْسَانًا بِأَنْ يُحْرِمَ عَنْهُ إذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ نَامَ فَأَحْرَمَ الْمَأْمُورُ عَنْهُ صَحَّ) بِالْإِجْمَاعِ

رَوَيْنَا وَهُوَ قَوْلُهُ «سَاعَةٌ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بِنَفْسِ الْوُقُوفِ فِي جُزْءٍ مِنْ وَقْتِهِ يَصِيرُ مُدْرِكًا فَكَانَ حُجَّةً عَلَيْهِ.

وَقَوْلُهُ (وَمَنْ اجْتَازَ بِعَرَفَاتٍ نَائِمًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ) ظَاهِرٌ.

وَقَوْلُهُ (وَالْجَهْلُ يُخِلُّ بِالنِّيَّةِ وَهِيَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِكُلِّ رُكْنٍ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الْجَهْلُ يُخِلُّ بِالنِّيَّةِ لَا مَحَالَةَ، وَالْإِخْلَالُ بِهَا إخْلَالٌ بِالْحَجِّ لِكَوْنِهَا شَرْطًا، وَتَقْرِيرُهُ: سَلَّمْنَا أَنَّ الْجَهْلَ يُخِلُّ بِالنِّيَّةِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْإِخْلَالَ بِهَا إخْلَالٌ بِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ أَنْ لَوْ كَانَتْ شَرْطًا لِكُلِّ رُكْنٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ إذَا كَانَتْ مَوْجُودَةً عِنْدَ أَصْلِ هَذِهِ الْعِبَادَةِ وَهُوَ الْإِحْرَامُ حَقِيقَةً أَوْ دَلَالَةً اُسْتُغْنِيَ عَنْهَا عِنْدَ وُجُودِ كُلِّ رُكْنٍ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ صَارِفٌ. وَإِنَّمَا قُلْنَا إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ صَارِفٌ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا طَافَ بِالْبَيْتِ هَارِبٌ أَوْ طَالِبُ غَرِيمٍ وَلَمْ يَنْوِ الطَّوَافَ عَنْ الْحَجِّ فَإِنَّهُ لَمْ يُجْزِهِ، وَإِنْ كَانَتْ النِّيَّةُ مَوْجُودَةً عِنْدَ الْإِحْرَامِ لِأَنَّ قَصْدَهُ الْهُرُوبُ أَوْ اللُّحُوقُ، وَذَلِكَ صَارِفٌ لَهُ عَنْ النِّيَّةِ السَّابِقَةِ لِأَنَّهَا لِكَوْنِهَا بَاقِيَةً بِالِاسْتِصْحَابِ ضَعِيفَةً تَنْصَرِفُ بِصَارِفٍ.

وَقَوْلُهُ (وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَأَهَلَّ عَنْهُ رُفَقَاؤُهُ) اتَّفَقَ عُلَمَاؤُنَا أَنَّ الْإِحْرَامَ يَقْبَلُ النِّيَابَةَ حَتَّى لَوْ أَمَرَ إنْسَانًا أَنْ يُحْرِمَ عَنْهُ إذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ نَامَ فَفَعَلَ صَحَّ عِنْدَهُمْ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ بِمَنْزِلَةِ الْوُضُوءِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَلَيْسَ بِنُسُكٍ فَاسْتَقَامَ النِّيَابَةُ بَعْدَ وُجُودِ نِيَّةِ الْعِبَادَةِ مِنْهُ وَهُوَ خُرُوجُهُ لِحَجِّ الْبَيْتِ. وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ عَقْدَ الرُّفْقَةِ اسْتِنَابَةٌ كَالْإِذْنِ بِهِ أَوْ لَا، فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّهُ اسْتِنَابَةٌ كَالْإِذْنِ بِهِ وَقَالَا: لَيْسَ بِاسْتِنَابَةٍ. وَصُورَةُ ذَلِكَ أَنْ يُحْرِمَ عَنْهُ الرُّفَقَاءُ نِيَابَةً مَعَ أَنَّهُمْ أَحْرَمُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ أَيْضًا فَيَصِيرُ الرَّفِيقُ مُحْرِمًا عَنْ نَفْسِهِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَمُحْرِمًا عَنْهُ أَيْضًا بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ كَالْأَبِ يُحْرِمُ عَنْ ابْنٍ صَغِيرٍ مَعَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>