حَتَّى إذَا أَفَاقَ أَوْ اسْتَيْقَظَ وَأَتَى بِأَفْعَالِ الْحَجِّ جَازَ. لَهُمَا أَنَّهُ لَمْ يُحْرِمْ بِنَفْسِهِ وَلَا أَذِنَ لِغَيْرِهِ بِهِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْإِذْنِ وَالدَّلَالَةُ تَقِفُ عَلَى الْعِلْمِ، وَجَوَازُ الْإِذْنِ بِهِ لَا يَعْرِفُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ فَكَيْفَ يَعْرِفُهُ الْعَوَامُّ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَ غَيْرَهُ بِذَلِكَ صَرِيحًا. وَلَهُ أَنَّهُ لَمَّا عَاقَدَهُمْ عَقْدَ الرُّفْقَةِ فَقَدْ اسْتَعَانَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِيمَا يَعْجِزُ عَنْ مُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ. وَالْإِحْرَامُ هُوَ الْمَقْصُودُ بِهَذَا السَّفَرِ فَكَانَ الْإِذْنُ بِهِ ثَابِتًا دَلَالَةً، وَالْعِلْمُ ثَابِتٌ نَظَرًا إلَى الدَّلِيلِ وَالْحُكْمُ يُدَارُ عَلَيْهِ.
فَكَانَ الْمُحْرِمُ حُكْمًا فِي إحْرَامِ النِّيَابَةِ هُوَ الْمَنُوبَ لَا النَّائِبَ، وَعِبَادَةُ النَّائِبِ فِيهِ كَعِبَادَةِ الْمَنُوبِ، حَتَّى لَوْ أَصَابَ النَّائِبُ صَيْدًا كَانَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ مِنْ قِبَلِ إهْلَالِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ إهْلَالِهِ عَنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ شَيْءٌ. وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الرَّفِيقَ إذَا كَانَ مُحْرِمًا عَنْ نَفْسِهِ فَبِإِحْرَامِهِ عَنْ غَيْرِهِ يَلْزَمُ تَدَاخُلُ الْإِحْرَامَيْنِ وَالثَّانِي أَنَّهُمْ شَبَّهُوا الْإِحْرَامَ بِالْوُضُوءِ فِي قَبُولِ النِّيَابَةِ، وَلَيْسَ مِثْلَهُ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا تَوَضَّأَ لَا يَكُونُ غَيْرُهُ بِهِ مُتَوَضِّئًا وَإِنْ نَوَى التَّوَضُّؤَ عَنْهُ، وَهَاهُنَا يَصِيرُ غَيْرُهُ مُحْرِمًا بِإِحْرَامِهِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ التَّدَاخُلَ إنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ لَوْ كَانَ الْمُحْرِمُ هُوَ النَّائِبَ فِي الْإِحْرَامَيْنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُحْرِمُ فِي إحْرَامِهِ النِّيَابَةُ هُوَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ لَا النَّائِبُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ التَّشْبِيهَ بِالْوُضُوءِ فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَرْطٌ يَحْتَمِلُ النِّيَابَةَ، وَلَكِنَّ النِّيَابَةَ فِي الْوُضُوءِ بِالتَّوْضِئَةِ بِأَنْ يُجْرِيَ الْمَاءَ عَلَى أَعْضَاءِ الْمَنُوبِ فَيَصِحُّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِذَلِكَ الْوُضُوءِ، وَفِي هَذَا يَتَوَلَّى النَّائِبُ الْإِحْرَامَ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ فَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ (إذَا أَفَاقَ أَوْ اسْتَيْقَظَ وَأَتَى بِأَفْعَالِ الْحَجِّ جَازَ) عِنْدَهُ كَمَا لَوْ أَمَرَ بِهِ (لَهُمَا أَنَّهُ لَمْ يُحْرِمْ بِنَفْسِهِ وَلَا أَذِنَ لِغَيْرِهِ بِهِ) وَكُلُّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ لَيْسَ بِمُحْرِمٍ لَا مَحَالَةَ، أَمَّا أَنَّهُ لَمْ يُحْرِمْ بِنَفْسِهِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا أَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لِغَيْرِهِ فَلِأَنَّ الْإِذْنَ إمَّا أَنْ يَكُونَ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً وَهُوَ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْإِذْنِ إذْ هُوَ الْمَفْرُوضُ، وَمَا ثَمَّةَ دَلَالَةٌ لِأَنَّهَا تَقِفُ عَلَى الْعِلْمِ بِجَوَازِ الْإِذْنِ بِالْإِحْرَامِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِجَوَازِهِ لَا يُقْدِمُ عَلَيْهِ (وَجَوَازُ الْإِذْنِ بِهِ لَا يَعْرِفُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ فَكَيْفَ يَعْرِفُهُ الْعَوَامُّ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَ غَيْرَهُ بِذَلِكَ صَرِيحًا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِذْنَ ثَابِتٌ دَلَالَةً، لِأَنَّهُ لَمَّا عَاقَدَهُمْ عَقْدَ الرُّفْقَةِ فَقَدْ اسْتَعَانَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِيمَا يَعْجِزُ عَنْ مُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ) وَقَدْ عَجَزَ عَنْ مُبَاشَرَةِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِهَذَا السَّفَرِ وَهُوَ الْإِحْرَامُ فَكَانَ مُسْتَعِينًا بِهِمْ عَلَى تَحْصِيلِهِ، وَالِاسْتِعَانَةُ إذْنٌ بِالْإِعَانَةِ لَا مَحَالَةَ (فَكَانَ الْإِذْنُ بِهِ ثَابِتًا دَلَالَةً) وَقَوْلُهُ (وَالْعِلْمُ ثَابِتٌ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا وَالدَّلَالَةُ تَقِفُ عَلَى الْعِلْمِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْعِلْمَ إذَا كَانَ شَرْطَ الدَّلَالَةِ فَهُوَ ثَابِتٌ نَظَرًا إلَى الدَّلِيلِ وَهُوَ عَقْدُ الرُّفْقَةِ، وَالْحُكْمُ يُدَارُ عَلَى الدَّلِيلِ فَيَثْبُتُ الْإِذْنُ دَلَالَةً، وَالدَّلَالَةُ تَعْمَلُ عَمَلَ الصَّرِيحِ إذَا لَمْ يُخَالِفْهَا صَرِيحٌ. فَإِنْ قُلْت: هَذَا حُكْمُ الْإِحْرَامِ فَمَا حُكْمُ سَائِرِ الْمَنَاسِكِ؟ قُلْت: الْأَصَحُّ أَنَّ نِيَابَتَهُمْ عَنْهُ فِي أَدَائِهِ صَحِيحَةٌ، إلَّا أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَقِفُوا بِهِ وَأَنْ يَطُوفُوا بِهِ لِيَكُونَ أَقْرَبَ إلَى أَدَائِهِ لَوْ كَانَ مُفِيقًا. وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ فَقَالَ: إنَّمَا صَحَّتْ النِّيَابَةُ فِي الْإِحْرَامِ لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ وَهُوَ لَيْسَ بِمُتَحَقِّقٍ فِي الْأَفْعَالِ، لِأَنَّهُمْ إذَا أَحْضَرُوهُ الْمَوَاقِفَ كَانَ هُوَ الْوَاقِفَ، وَإِذَا طَافُوا بِهِ كَانَ هُوَ الطَّائِفَ. فَإِنْ قُلْت: هَلْ لِتَقْيِيدِ الْإِهْلَالِ بِالرُّفَقَاءِ فَائِدَةٌ؟ قُلْت.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute