يَصُومُ بَعْدَ هَذِهِ الْأَيَّامِ لِأَنَّهُ صَوْمٌ مُوَقَّتٌ فَيَقْضِي كَصَوْمِ رَمَضَانَ. وَقَالَ مَالِكٌ ﵀: يَصُومُ فِيهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ﴾ وَهَذَا وَقْتُهُ. وَلَنَا النَّهْيُ الْمَشْهُورُ عَنْ الصَّوْمِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ النَّصُّ أَوْ يَدْخُلُهُ النَّقْصُ فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ مَا وَجَبَ كَامِلًا، وَلَا يُؤَدِّي بَعْدَهَا لِأَنَّ الصَّوْمَ بَدَلٌ وَالْأَبْدَالُ لَا تُنْصَبُ إلَّا شَرْعًا، وَالنَّصُّ خَصَّهُ بِوَقْتِ الْحَجِّ وَجَوَازُ الدَّمِ عَلَى الْأَصْلِ.
إذَا رَجَعْتُمْ عَمَّا كُنْتُمْ مُقْبِلِينَ عَلَيْهِ فِيهِ. قِيلَ وَفَائِدَةُ الْفَذْلَكَةِ نَفْيُ الْإِبَاحَةِ الَّتِي تُتَوَهَّمُ مِنْ كَلِمَةِ الْوَاوِ فِي قَوْلِهِ ﴿وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ﴾ كَمَا فِي قَوْلِك: جَالِسْ الْحَسَنَ وَابْنَ سِيرِينَ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ كَامِلَةً فِي وُقُوعِهَا بَدَلًا مِنْ الْهَدْيِ، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ.
قَوْلُهُ (وَقَالَ مَالِكٌ يَصُومُ فِيهَا) يَعْنِي فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ دُونَ يَوْمِ النَّحْرِ لِأَنَّ الصَّوْمَ فِيهِ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ. وَقَوْلُهُ (وَلَنَا النَّهْيُ الْمَشْهُورُ) يَعْنِي قَوْلَهُ ﵊ «أَلَا لَا تَصُومُوا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ» وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَفِي التَّعَرُّضِ بِلَفْظِ الْمَشْهُورِ إشَارَةٌ إلَى الْجَوَابِ عَمَّا يُقَالُ: النَّصُّ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الصَّوْمِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ بِقَوْلِهِ ﴿فِي الْحَجِّ﴾ فَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهُ بِغَيْرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بِالْخَبَرِ لِأَنَّهُ نَسْخٌ لِلْكِتَابِ، وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنَّ الْخَبَرَ مَشْهُورٌ فَيَجُوزُ التَّقْيِيدُ بِهِ. وَقَوْلُهُ (أَوْ يَدْخُلُهُ النَّقْصُ) يَعْنِي لَوْ لَمْ يُقَيَّدْ بِهِ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يُورِثَ نَقْصًا، وَمَا وَجَبَ كَامِلًا لَا يَتَأَدَّى نَاقِصًا فَلَا يَتَأَدَّى فِيهَا (وَلَا يُؤَدَّى بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ (لِأَنَّ الصَّوْمَ بَدَلٌ وَالْأَبْدَالُ لَا تُنَصَّبُ إلَّا شَرْعًا) لِأَنَّ الْقِيَاسَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي مَعْرِفَةِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَ إرَاقَةِ الدَّمِ وَالصَّوْمِ (وَالنَّصُّ خَصَّهُ) بَدَلًا (بِوَقْتِ الْحَجِّ) فَلَا يَجُوزُ بَعْدَهُ، وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنَّ الْبَدَلَ إنَّمَا يَجِبُ إذَا كَانَ الْأَصْلُ مُتَصَوَّرًا وَهَاهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ إنْ قَدَرَ عَلَى الْهَدْيِ لَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ فَكَانَ كَمَسْأَلَةِ الْغَمُوسِ.
وَالثَّانِي أَنَّ الْبَدَلَ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْمُبْدَلِ، وَالْعَجْزُ عَنْهُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا مَضَى يَوْمُ النَّحْرِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فَكَيْفَ يَجُوزُ الْبَدَلُ عَنْهُ قَبْلَهُ. وَالثَّالِثُ أَنَّ الدَّمَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا إذَا فَاتَ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَهُوَ غَيْرُ مَعْقُولٍ لِأَنَّهُ فَاتَ بِنَفْسِهِ وَبِبَدَلِهِ فَكَيْفَ يَجِبُ بَعْدَ ذَلِكَ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ الصَّوْمَ بَدَلٌ عَنْ الْهَدْيِ إذَا لَمْ يَجِدْهُ بَعْدَمَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ بِالنَّصِّ، وَأَصْلٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُوَقَّتٌ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ، وَلَوْ كَانَ بَدَلًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَانَ كَالْمُبْدَلِ فِي الْإِطْلَاقِ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ لِأَنَّ حُكْمَ الْبَدَلِ حُكْمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute