وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَمَرَ فِي مِثْلِهِ بِذَبْحِ الشَّاةِ، فَلَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْهَدْيِ تَحَلَّلَ وَعَلَيْهِ دَمَانِ: دَمُ التَّمَتُّعِ، وَدَمُ التَّحَلُّلِ قَبْلَ الْهَدْيِ
(فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ الْقَارِنُ مَكَّةَ وَتَوَجَّهَ إلَى عَرَفَاتٍ فَقَدْ صَارَ رَافِضًا لِعُمْرَتِهِ بِالْوُقُوفِ) لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَانِيًا أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ، وَذَلِكَ خِلَافُ الْمَشْرُوعِ. وَلَا يَصِيرُ رَافِضًا بِمُجَرَّدِ التَّوَجُّهِ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ
الْأَصْلِ فِي الْإِطْلَاقِ كَالتَّيَمُّمِ مَعَ الْوُضُوءِ، فَبِالنَّظَرِ إلَى أَصَالَتِهِ جَازَ بِغَيْرِ تَصَوُّرِ الْأَصْلِ وَقَبْلَ تَحَقُّقِ تَمَامِ الْعَجْزِ عَنْهُ، وَبِالنَّظَرِ إلَى الْبَدَلِيَّةِ يَلْزَمُ الْهَدْيُ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ. قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْخُلْفِ. وَأَمَّا وُجُوبُ الدَّمِ بَعْدَ مُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ إذَا لَمْ يَصُمْ الثَّلَاثَةَ فَبِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ. قِيلَ لِأَنَّ الدَّمَ هُوَ الْأَصْلُ، وَلَيْسَ مُقَيَّدًا بِأَيَّامِ النَّحْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِوَقْتٍ فَيَجُوزُ ذَبْحُهُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَفِيمَا بَعْدَهُ. وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ ذَبْحَ هَدْيِ الْمُتْعَةِ مُوَقَّتٌ بِأَيَّامِ النَّحْرِ وَهُوَ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى هَذَا النَّصِّ. وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُقَيَّدًا لَجَازَ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
وَالثَّانِي أَنَّ الدَّمَ وَاجِبٌ إذَا فَاتَهُ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ عَنْ وَقْتِهِ فَكَيْفَ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ وَجَوَازُ الدَّمِ؟ وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ هَدْيَ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ يَخْتَصُّ ذَبْحُهُ بِيَوْمِ النَّحْرِ بِدَلِيلٍ يَقْتَضِيهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ. وَالْمُرَادُ بِالْأَصْلِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ مَا هُوَ الْمَعْهُودُ أَنَّ الشَّيْءَ إذَا وَجَبَ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ الْمُكَلَّفُ بِهِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْ ذِمَّتِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ، وَهَاهُنَا وَجَبَ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فَيَأْتِي بِهِ فِي أَيِّ وَقْتٍ قَدَرَ عَلَيْهِ. وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ عَبَّرَ عَنْهُ بِالْجَوَازِ نَظَرًا إلَى الصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَهَذَا جَائِزٌ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالْجَوَازِ. هَذَا الَّذِي سَنَحَ لِي فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. وَقَوْلُهُ (وَعَنْ عُمَرَ) اعْتِضَادٌ لِإِيجَابِ الدَّمِ بَعْدَ فَوَاتِ الصَّوْمِ وَهُوَ ظَاهِرٌ.
وَقَوْلُهُ (وَذَلِكَ خِلَافُ الْمَشْرُوعِ) يَعْنِي أَنَّ الْمَشْرُوعَ أَنْ يَكُونَ الْوُقُوفُ مُرَتَّبًا عَلَى أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ. وَقَوْلُهُ (هُوَ الصَّحِيحُ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute