للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْله تَعَالَى ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ﴾ شَهْرَانِ وَبَعْضُ الثَّالِثِ لَا كُلُّهُ.

وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ بِالتَّذْكِيرِ وَهُوَ اللَّيَالِي فَلَا يَكُونُ حُجَّةً فِي دُخُولِ يَوْمِ النَّحْرِ فِي وَقْتِ الْحَجِّ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ ذِكْرَ أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ مِنْ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ يَقْتَضِي دُخُولَ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الْعَدَدِ الْآخَرِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الِاعْتِكَافِ. فَإِنْ قِيلَ: سَلَّمْنَا ذَلِكَ لَكِنْ مَا وَجْهُ دُخُولِ شَوَّالٍ وَذِي الْقَعْدَةِ فِي وَقْتِهِ وَأَدَاءُ الْحَجِّ لَا يَصِحُّ فِيهِمَا؟ أُجِيبَ بِأَنَّ بَعْضَ أَفْعَالِهِ يَصِحُّ فِيهِمَا؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْآفَاقِيَّ إذَا قَدِمَ مَكَّةَ فِي شَوَّالٍ وَطَافَ طَوَافَ الْقُدُومِ وَسَعَى بَعْدَهُ فَإِنَّ هَذَا السَّعْيَ يَكُونُ السَّعْيَ الْوَاجِبَ فِي الْحَجِّ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي رَمَضَانَ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ السَّعْيِ الْوَاجِبِ فِي الْحَجِّ. وَقَوْلُهُ: (وَهَذَا) أَيْ: مَا رُوِيَ عَنْ الْعَبَادِلَةِ وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْقُولِ (يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْله تَعَالَى ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ﴾ شَهْرَانِ وَبَعْضُ الشَّهْرِ الثَّالِثِ لَا كُلُّهُ) وَلَمْ يَذْكُرْ كَيْفِيَّةَ الدَّلَالَةِ عَلَى ذَلِكَ. وَمِنْ الشَّارِحِينَ مَنْ قَالَ: لَفْظُ أَشْهُرٍ عَامٌّ فَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ مِنْهُ بَعْضٌ وَلَيْسَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ مَا يَنْتَهِي إلَيْهِ الْخُصُوصُ إذَا كَانَ الْعَامُّ جَمَعَا الثَّلَاثَةَ، وَلِأَنَّ الْخُصُوصَ إنَّمَا يَكُونُ بِإِخْرَاجِ بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ لَا بِإِخْرَاجِ بَعْضِ كُلِّ فَرْدٍ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: اسْمُ الْجَمْعِ يَشْتَرِكُ فِيهِ مَا وَرَاءَ الْوَاحِدِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى ﴿فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْجَمْعِ التَّثْنِيَةُ. وَرُدَّ بِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ الْإِلْبَاسِ كَمَا فِي هَذَا الْمِثَالِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مُلْبِسٌ. وَأَقُولُ: هُوَ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْكُلِّ وَإِرَادَةِ الْجُزْءِ. فَإِنْ قُلْت: فَيَكُونُ مَجَازًا فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ قَرِينَةٍ. قُلْت: سِيَاقُ الْكَلَامِ لِأَنَّهُ قَالَ ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ﴾ وَالْحَجُّ نَفْسُهُ لَيْسَ بِأَشْهُرٍ، فَكَانَ تَقْدِيرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: الْحَجُّ فِي أَشْهُرٍ، وَالظَّرْفُ لَا يَسْتَلْزِمُ الِاسْتِغْرَاقَ فَكَانَ الْبَعْضُ مُرَادًا. وَعَيْنُهُ مَا رُوِيَ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>