للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(فَإِنْ قَدَّمَ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ عَلَيْهَا جَازَ إحْرَامُهُ وَانْعَقَدَ حَجًّا) خِلَافًا لَلشَّافِعِيِّ ، فَإِنَّ عِنْدَهُ يَصِيرُ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ رُكْنٌ عِنْدَهُ وَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَنَا فَأَشْبَهُ الطَّهَارَةَ فِي جَوَازِ التَّقْدِيمِ عَلَى الْوَقْتِ؛ وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ تَحْرِيمُ أَشْيَاءَ وَإِيجَابُ أَشْيَاءَ، وَذَلِكَ يَصِحُّ فِي كُلِّ زَمَانٍ فَصَارَ كَالتَّقْدِيمِ عَلَى الْمَكَانِ.

قَالَ: (وَإِذَا قَدِمَ الْكُوفِيُّ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَفَرَغَ مِنْهَا وَحَلَقَ أَوْ قَصَّرَ ثُمَّ اتَّخَذَ مَكَّةَ أَوْ الْبَصْرَةَ دَارًا وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ تَرَفَّقَ بِنُسُكَيْنِ فِي سَفَرٍ وَاحِدِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. وَأَمَّا الثَّانِي فَقِيلَ هُوَ بِالِاتِّفَاقِ. وَقِيلَ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ . وَعِنْدَهُمَا لَا يَكُونُ

الْعَبَادِلَةِ وَغَيْرِهِمْ.

وَقَوْلُهُ: (فَإِنْ قَدِمَ الْإِحْرَامُ عَلَيْهَا) أَيْ: عَلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ. (جَازَ إحْرَامُهُ) عِنْدَنَا (وَانْعَقَدَ حَجًّا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، فَإِنَّ عِنْدَهُ يَصِيرُ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ رُكْنٌ عِنْدَهُ) فَلَا يَتَحَقَّقُ قَبْلَ أَوَانِهِ. فَإِنْ قِيلَ: الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَنْ الْحَجِّ وَالْمُدَّعِي وُقُوعَهُ إحْرَامًا لِلْعُمْرَةِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْإِحْرَامَ إذَا وُجِدَ وَلَمْ يَصْلُحْ أَنْ يَكُونَ لِلْحَجِّ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَصْلُحُ لَهُ حَذَرًا عَنْ الْإِلْغَاءِ كَمَنْ نَوَى صَوْمَ الْقَضَاءِ مِنْ النَّهَارِ فَإِنَّهُ يَكُونُ شَارِعًا فِي النَّفْلِ، (وَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَنَا فَأَشْبَهَ الطَّهَارَةَ فِي جَوَازِ التَّقْدِيمِ عَلَى الْوَقْتِ) فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ شَرْطًا لَمَا كُرِهَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لَيْسَتْ لِلتَّقْدِيمِ عَلَى الْوَقْتِ بَلْ لِئَلَّا يَقَعَ فِي الْمَحْظُورِ بِطُولِ الزَّمَانِ.

وَقَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ تَحْرِيمُ أَشْيَاءَ) أَيْ: يَسْتَلْزِمُهُ كَتَحْرِيمِ قَتْلِ الصَّيْدِ وَلُبْسِ الْمَخِيطِ وَحَلْقِ الرَّأْسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، (وَإِيجَابُ أَشْيَاءَ) كَالسَّعْيِ وَالرَّمْيِ وَأَمْثَالِهِمَا، (وَذَلِكَ يَصِحُّ فِي كُلِّ زَمَانٍ فَصَارَ كَالتَّقْدِيمِ عَلَى الْمَكَانِ) يَعْنِي الْمِيقَاتَ. لَا يُقَالُ: هَذَا كُلُّهُ تَعْلِيلٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ، وَهُوَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ: «الْمُهِلُّ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ مُهِلٌّ بِالْعُمْرَةِ» وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ حَيْثُ لَمْ يَصِحَّ تَقْدِيمُهُ. لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا الْحَدِيثُ شَاذٌّ جِدًّا فَلَا يُعْتَمَدُ عَلَى مِثْلِهِ

قَالَ: (وَإِذَا قَدِمَ الْكُوفِيُّ بِعُمْرَةٍ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ (ثُمَّ اتَّخَذَ مَكَّةَ دَارًا) يَعْنِي أَقَامَ بِهَا بَعْدَمَا فَرَغَ مِنْ الْعُمْرَةِ وَحَلَقَ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ وَهُوَ فِي هَذَا الْوَجْهِ مُتَمَتِّعٌ. وَالثَّانِي مَا ذَكَرَهُ ثَانِيًا بِقَوْلِهِ (أَوْ الْبَصْرَةَ دَارًا وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ) وَقَالَ: وَهُوَ مُتَمَتِّعٌ وَهُوَ يَنْصَرِفُ إلَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا. وَالثَّالِثُ هُوَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ وَلَا يَتَجَاوَزُ الْمِيقَاتَ حَتَّى يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ، وَفِيهِ أَيْضًا مُتَمَتِّعٌ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ يُعْلَمُ مِنْ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ. وَالرَّابِعُ هُوَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ وَيَتَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ وَعَادَ إلَى أَهْلِهِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ لَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ لِأَنَّهُ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ إلْمَامًا صَحِيحًا وَمِثْلُهُ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا وَلَمْ يَذْكُرْهُ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا مِمَّا تَقَدَّمَ. وَقَوْلُهُ: (أَمَّا الْأَوَّلُ) أَيْ: الْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَإِنَّمَا صَارَ فِيهِ مُتَمَتِّعًا (لِأَنَّهُ تَرَفَّقَ بِنُسُكَيْنِ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ) مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلِمَّ بِأَهْلِهِ إلْمَامًا صَحِيحًا وَمِثْلُهُ مُتَمَتِّعٌ.

(وَأَمَّا الثَّانِي فَقِيلَ هُوَ بِالِاتِّفَاقِ) ذَكَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>