فَيَجِبُ عَلَيْهِ الطَّعَامُ بِحَسَبِ ذَلِكَ، حَتَّى لَوْ كَانَ مَثَلًا مِثْلَ رُبُعِ الرُّبُعِ لَزِمَهُ قِيمَةُ رُبُعِ الشَّاةِ، وَلَفْظَةُ الْأَخْذِ مِنْ الشَّارِبِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ هُوَ السُّنَّةُ فِيهِ دُونَ الْحَلْقِ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يُقَصَّ حَتَّى يُوَازِيَ الْإِطَارَ. قَالَ: (وَإِنْ حَلَقَ مَوْضِعَ الْمَحَاجِمِ فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) ﵀ (وَقَالَا: عَلَيْهِ صَدَقَةٌ)؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْلِقُ الْحِجَامَةَ وَهِيَ لَيْسَتْ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ فَكَذَا مَا يَكُونُ وَسِيلَةً إلَيْهَا، وَإِلَّا أَنَّ فِيهِ إزَالَةَ شَيْءٍ مِنْ التَّفَثِ فَتَجِبُ الصَّدَقَةُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ﵀ أَنَّ حَلْقَهُ مَقْصُودٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَسَّلُ إلَى الْمَقْصُودِ إلَّا بِهِ،
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَعَ اللِّحْيَةِ فِي الْحَقِيقَةِ عُضْوٌ وَاحِدٌ لِاتِّصَالِ الْبَعْضِ بِالْبَعْضِ فَلَا يُجْعَلُ فِي حُكْمِ أَعْضَاءٍ مُتَفَرِّقَةٍ كَالرَّأْسِ: فَإِنَّ مِنْ الْعَلَوِيَّةِ مَنْ عَادَتُهُ حَلْقُ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ وَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّهُ لَيْسَ بِعُضْوٍ وَاحِدٍ، وَقَوْلُهُ: (تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ هُوَ السُّنَّةُ فِيهِ دُونَ الْحَلْقِ) هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﵊ أَنَّهُ قَالَ: «عَشْرَةٌ مِنْ فِطْرَتِي وَفِطْرَةِ إبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ، وَذَكَرَ مِنْ جُمْلَتِهَا قَصَّ الشَّارِبِ».
وَقَوْلُهُ: (حَتَّى يُوَازِيَ الْإِطَارَ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: إطَارُ الشَّفَةِ مُلْتَقَى جِلْدَتِهَا وَلَحْمَتِهَا مُسْتَعَارٌ مِنْ إطَارِ الْمُنْخُلِ وَالدُّفِّ. قَالَ: (وَإِنْ حَلَقَ مَوْضِعَ الْمَحَاجِمِ فَعَلَيْهِ دَمٌ) الْمُرَادُ بِالْمَحَاجِمِ هَاهُنَا جَمْعُ مِحْجَمٍ اسْمُ آلَةٍ مِنْ الْحِجَامَةِ بِدَلِيلِ ذِكْرِ اسْمِ الْمَوْضِعِ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ مَحْجَمٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ اسْمُ مَوْضِعٍ مِنْ الْحِجَامَةِ، وَدَلِيلُهُمَا ظَاهِرٌ. وَأَمَّا دَلِيلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَفِيهِ اشْتِبَاهٌ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ حَلْقَهُ مَقْصُودًا وَوَسِيلَةً وَهُمَا مُتَنَافِيَانِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِأَنَّ حَلْقَهُ مَقْصُودٌ لِذَاتِهِ بَلْ قَالَ: مَقْصُودًا، وَمَا لَا يَتِمُّ الْمَقْصُودُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute