للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاحِدٍ، فَإِنْ كَانَ فِي مَجَالِسَ فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى التَّدَاخُلِ فَأَشْبَهَ كَفَّارَةَ الْفِطْرِ إلَّا إذَا تَخَلَّلَتْ الْكَفَّارَةُ لِارْتِفَاعِ الْأُولَى بِالتَّكْفِيرِ. وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَجِبُ أَرْبَعَةُ دِمَاءٍ إنْ قَلَّمَ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ يَدًا أَوْ رِجْلًا؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ فَيَتَقَيَّدُ التَّدَاخُلُ بِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ كَمَا فِي آيِ السَّجْدَةِ.

يُسَمَّى قَصًّا، وَأَمَّا مَعْنًى فَلِأَنَّ الِارْتِفَاقَ مِنْ حَيْثُ الْقَصُّ وَهُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى التَّدَاخُلِ) يَعْنِي أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا قَتَلَ صَيْدَ الْحَرَمِ يَكْفِيهِ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِي حَقِّ الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ جَمِيعًا فَكَانَ مَبْنَاهَا عَلَى ذَلِكَ (فَأَشْبَهَ كَفَّارَةَ الْفِطْرِ)، وَهُمَا يَقُولَانِ: كَفَّارَةُ الْإِحْرَامِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ فِيهَا غَالِبٌ بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْمَعْذُورِ كَالْمُكْرَهِ وَالنَّائِمِ وَالْمُخْطِئِ وَالنَّاسِي وَالْمُضْطَرِّ، وَبِالنَّظَرِ إلَى ذَلِكَ لَا تَتَدَاخَلُ فَقُلْنَا بِتَقَيُّدِ التَّدَاخُلِ بِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَالْمَقْصُودُ وَاحِدٌ، وَالْمَحَالُّ مُخْتَلِفَةٌ فَرَجَّحْنَا اتِّحَادَ الْمَقْصُودِ بِوُجُودِ الْجَامِعِ وَهُوَ الْمَجْلِسُ، وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَتْ الْمَجَالِسُ فَيَتَرَجَّحُ جَانِبُ اخْتِلَافِ الْمَحَالِّ وَيَلْزَمُ لِكُلِّ وَاحِدٍ دَمٌ عَمَلًا بِالْوَجْهَيْنِ. فَإِنْ قِيلَ: الْجِنَايَاتُ إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ لَا تَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ كَمَا إذَا حَلَقَ رَأْسَهُ فِي مَجَالِسَ مُخْتَلِفَةٍ فَإِنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةً وَاحِدَةً لِذَلِكَ. فَالْجَوَابُ أَنَّ هَاهُنَا اتِّحَادَ الْمَقْصُودِ وَاتِّحَادَ الْمَحَلِّ وَكَذَا اخْتِلَافُهُمَا، فَمَتَى اتَّحَدَ الْجَمِيعُ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَهُمْ، وَمَتَى اخْتَلَفَ الْجَمِيعُ لَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ مُتَعَدِّدَةً؛ وَمَتَى اتَّحَدَ الْمَقْصُودُ وَاخْتَلَفَ الْمَحَالُّ، فَإِنْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ تَقَوَّى جَانِبُ الِاتِّحَادِ فَلَزِمَهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَمَتَى اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ تَقَوَّى جَانِبُ الِاخْتِلَافِ وَتَعَدَّدَتْ الْكَفَّارَةُ، فَإِذَا عَرَفْت هَذَا ظَهَرَ لُزُومُ التَّعَدُّدِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمَجْلِسِ وَلُزُومُ الْوَحْدَةِ عِنْدَ اتِّحَادِهِ، وَلَا يَلْزَمُ حَلْقُ الرَّأْسِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ مُتَّحِدٌ وَالْمَقْصُودُ كَذَلِكَ، بِخِلَافِ مَحَلِّ النِّزَاعِ؛ لِأَنَّ الْمَحَالَّ فِيهِ مُخْتَلِفَةٌ وَلَا يُشْكِلُ بِحَلْقِ الْإِبِطَيْنِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مُتَّحِدٌ وَالْمَحَالُّ مُخْتَلِفَةٌ. وَلَا يَخْتَلِفُ الْحَالُّ فِي اتِّحَادِ الْجَزَاءِ بَيْنَ مَا كَانَ الْمَجْلِسُ مُتَّحِدًا أَوْ مُخْتَلِفًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا رِوَايَةَ فِيهِ، وَلَأَنْ كَانَتْ فَثَمَّةَ مَا يُوجِبُ اتِّحَادَ الْمَحَالِّ وَهُوَ التَّنْوِيرُ، فَإِنَّهُ لَوْ نَوَّرَ جَمِيعَ الْبَدَنِ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْحَلْقَ

<<  <  ج: ص:  >  >>