وَإِنَّمَا تَجِبُ الْبَدَنَةُ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ أَوْ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَى أَنْوَاعِ الِارْتِفَاقِ فَيَتَغَلَّظُ مُوجِبُهُ.
(وَإِنْ جَامَعَ بَعْدَ الْحَلْقِ فَعَلَيْهِ شَاةٌ) لِبَقَاءِ إحْرَامِهِ فِي حَقِّ النِّسَاءِ دُونَ لُبْسِ الْمَخِيطِ، وَمَا أَشْبَهَهُ فَخَفَّتْ الْجِنَايَةُ فَاكْتَفَى بِالشَّاةِ.
(وَمَنْ جَامَعَ فِي الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ فَسَدَتْ عُمْرَتُهُ فَيَمْضِي فِيهَا وَيَقْضِيهَا وَعَلَيْهِ شَاةٌ. وَإِذَا جَامَعَ بَعْدَمَا طَافَ. أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ أَوْ أَكْثَرَ فَعَلَيْهِ شَاةٌ وَلَا تَفْسُدُ عُمْرَتُهُ)
بَعْضِ الْأَرْكَانِ، فَكَانَ الْمُرَادُ بِهِ التَّمَامَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَأْمَنُ مِنْ الْفَسَادِ بَعْدَهُ لِتَأَكُّدِ حَجِّهِ بِالْوُقُوفِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَأْمَنُ الْفَوَاتَ بَعْدَ الْوُقُوفِ، فَكَمَا يَثْبُتُ حُكْمُ التَّأَكُّدِ فِي الْأَمْنِ عَنْ الْفَوَاتِ كَذَلِكَ يَثْبُتُ فِي الْأَمْنِ عَنْ الْفَسَادِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا وَجَبَتْ الْبَدَنَةُ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ بَعْدَ تَمَامِهِ لَا يَقْبَلُ الْجِنَايَةَ فَلَا يَقْتَضِي جَزَاءً. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَإِنَّمَا تَجِبُ الْبَدَنَةُ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄) وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إذَا جَامَعَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَسَدَ نُسُكُهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِذَا جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ فَحَجَّتُهُ تَامَّةٌ وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ. وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ: لَا تَجِبُ الْبَدَنَةُ فِي الْحَجِّ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ: مَنْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَمَنْ طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ جُنُبًا أَوْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ مُخَالِفٌ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ. وَقِيلَ: مِثْلُهُ لَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِيهِ فَكَانَ مَسْمُوعًا. وَقَوْلُهُ: (أَوْ لِأَنَّهُ) قِيلَ إنَّمَا ذُكِرَ بِكَلِمَةٍ أَوْ لِكَوْنِ أَثَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ غَيْرَ مَشْهُورٍ فَأَتَى بِهَا لِيَكُونَ مُتَمَسِّكًا بِأَحَدِهِمَا، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ إثْبَاتُ الْوُجُوبِ وَهُوَ يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الِاشْتِهَارِ، وَلَعَلَّهُ أَتَى بِأَحَدِ الْجَائِزَيْنِ فَلَا يُسْأَلُ عَنْ كَمِّيَّتِهِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْجِمَاعَ أَعْلَى الِارْتِفَاقَاتِ لِوُفُورِ لَذَّتِهِ وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ يَتَغَلَّظُ مُوجِبُهُ لِوُجُوبِ التَّطَابُقِ بَيْنَ الْمُوجِبِ وَالْمُوجَبِ بِمُقْتَضَى الْحِكْمَةِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ جَامَعَ بَعْدَ الْحَلْقِ فَعَلَيْهِ شَاةٌ) ظَاهِرٌ.
وَقَوْلُهُ: (وَمَنْ جَامَعَ فِي الْعُمْرَةِ) بَيَانُ الْجِنَايَةِ عَلَى إحْرَامِ الْعُمْرَةِ وَهُوَ وَاضِحٌ، لَكِنْ يُتَوَهَّمُ مِنْهُ تَفْضِيلُ طَوَافِ الْعُمْرَةِ عَلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَإِنَّهُ إذَا جَامَعَ بَعْدَمَا طَافَ لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute