عِنْدَنَا خِلَافًا لِمَالِكٍ ﵀ إذَا خَرَجَا مِنْ بَيْتِهِمَا. وَلِزَفَرٍ ﵀ إذَا أَحْرَمَا. وَلَلشَّافِعِيِّ ﵀ إذَا انْتَهَيَا إلَى الْمَكَانِ الَّذِي جَامَعَهَا فِيهِ. لَهُمْ أَنَّهُمَا يَتَذَاكَرَانِ ذَلِكَ فَيَقَعَانِ فِي الْمُوَاقَعَةِ فَيَفْتَرِقَانِ. وَلَنَا أَنَّ الْجَامِعَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ النِّكَاحُ قَائِمٌ فَلَا مَعْنَى لِلِافْتِرَاقِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ لِإِبَاحَةِ الْوَقَاعِ وَلَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُمَا يَتَذَاكَرَانِ مَا لَحِقَهُمَا مِنْ الْمَشَقَّةِ الشَّدِيدَةِ بِسَبَبِ لَذَّةِ يَسِيرَةِ فَيَزْدَادَانِ نَدَمًا وَتَحَرُّزًا فَلَا مَعْنَى لِلِافْتِرَاقِ.
(وَمَنْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ) خِلَافًا لَلشَّافِعِيِّ فِيمَا إذَا جَامَعَ قَبْلَ الرَّمْيِ؛ لِقَوْلِهِ ﷺ «مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ»
مَعْنَاهُ يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي طَرِيقٍ غَيْرِ طَرِيقِ صَاحِبِهِ، فَمَالِكٌ ﵀ أَخَذَ بِظَاهِرِ هَذَا اللَّفْظِ فَقَالَ: كَمَا خَرَجَا مِنْ بَيْتِهِمَا فَعَلَيْهِمَا أَنْ يَفْتَرِقَا. وَقَالَ زُفَرُ ﵀: يَفْتَرِقَانِ مِنْ وَقْتِ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّ الِافْتِرَاقَ نُسُكٌ بِقَوْلِ الصَّحَابَةِ ﵃: وَوَقْتُ أَدَاءِ النُّسُكِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ، فَمَا لَمْ يَكُنْ نُسُكًا فِي الْأَدَاءِ لَا يَكُونُ نُسُكًا فِي الْقَضَاءِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀: إذَا قَرُبَا مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي جَامَعَهَا فِيهِ يَفْتَرِقَانِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَأْمَنَانِ إذَا وَصَلَا إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَنْ تَهِيجَ بِهِمَا الشَّهْوَةُ فَيُوَاقِعَهَا. وَالْمُصَنِّفُ ﵀ ذَكَرَ دَلِيلَنَا عَلَى وَجْهٍ هُوَ دَافِعٌ لِأَقْوَالِهِمْ وَهُوَ وَاضِحٌ، وَنَقُولُ: مُرَادُ الصَّحَابَةِ ﵃ أَنَّهُمَا يَفْتَرِقَانِ عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ إنْ خَافَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا الْفِتْنَةَ. كَمَا يُنْدَبُ لِلشَّابِّ الِامْتِنَاعُ عَنْ التَّقْبِيلِ فِي حَالَةِ الصَّوْمِ إذَا كَانَ لَا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ مَا سِوَاهُ
(وَمَنْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ﵀ فِيمَا إذَا جَامَعَ قَبْلَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ) فَإِنَّ حَجَّهُ يَفْسُدُ؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ قَبْلَ الرَّمْيِ مُطْلَقٌ، أَيْ: كَامِلٌ حَيْثُ لَا يَحِلُّ لَهُ شَيْءٌ مِمَّا هُوَ حَرَامٌ عَلَى الْمُحْرِمِ، وَالْجِمَاعُ فِي الْإِحْرَامِ الْمُطْلَقِ مُفْسِدٌ لِلْحَجِّ كَمَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْوُقُوفِ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الرَّمْيِ فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَوَانُ التَّحَلُّلِ وَحَلَّ لَهُ الْحَلْقُ الَّذِي كَانَ حَرَامًا عَلَى الْمُحْرِمِ. وَقَوْلُهُ: (لِقَوْلِهِ ﵊) دَلِيلُنَا.
وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ ﷺ قَالَ: «مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ التَّمَامَ مِنْ حَيْثُ أَدَاءُ الْأَفْعَالِ بِالِاتِّفَاقِ لِبَقَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute