للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمِثْلِ مَعْنًى لِكَوْنِهِ مَعْهُودًا فِي الشَّرْعِ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ أَوْ لِكَوْنِهِ مُرَادًا بِالْإِجْمَاعِ، أَوْ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْمِيمِ، وَفِي ضِدِّهِ التَّخْصِيصُ. وَالْمُرَادُ بِالنَّصِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَجَزَاءُ قِيمَةِ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ الْوَحْشِيِّ. وَاسْمُ النَّعَمِ يَنْطَلِقُ عَلَى الْوَحْشِيِّ وَالْأَهْلِيِّ، كَذَا قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْأَصْمَعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَالْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ التَّقْدِيرُ بِهِ دُونَ إيجَابِ الْمُعَيَّنِ.

مَجَازٌ فِي الْآخَرِ حَتَّى يَلْزَمَ مَا ذَكَرْتُمْ، بَلْ هُوَ مُطْلَقٌ يَتَنَاوَلُهُمَا كَالرَّقَبَةِ تَتَنَاوَلُ الْمُؤْمِنَةَ وَالْكَافِرَةَ فَيَدْخُلُ تَحْتَهُ الْمِثْلُ الْمُطْلَقُ الصُّورِيُّ وَالْمَعْنَوِيُّ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ دَخَلَ مَا لَهُ مِثْلٌ صُورَةً وَمَعْنًى كَمَا فِي الْمِثْلِيَّاتِ، وَمَا لَيْسَ لَهُ مِثْلٌ إلَّا مَعْنًى كَالْقِيَمِيَّاتِ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُطْلَقَ مَا يَتَعَرَّضُ لِلذَّاتِ دُونَ الصِّفَاتِ لَا بِالنَّفْيِ وَلَا بِالْإِثْبَاتِ فَهُوَ الدَّالُّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ فَقَطْ، وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ تَحْتَ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ الْمُحْتَمَلَةِ، فَلَوْ كَانَ دَالًّا عَلَى ذَلِكَ لَوَجَبَ النَّعَامَةُ عَنْ النَّعَامَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ فِي الْمُطْلَقِ وَمَجَازٌ فِي غَيْرِهِ، وَالْمَجَازُ هَاهُنَا مُرَادٌ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا يَكُونُ غَيْرُهُ مُرَادًا، وَبِمِثْلِ ذَلِكَ نَقُولُ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى، أَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: مُوجِبُ الْغَصْبِ الْقِيمَةُ وَرَدُّ الْعَيْنِ مُخَلِّصٌ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ أَوْلَى بِالْإِرَادَةِ، وَرَدَّ الْعَيْنِ ثَبَتَ بِقَوْلِهِ «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّهُ»، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: مُوجِبُ الْغَصْبِ رَدُّ الْعَيْنِ وَأَدَاءُ الْقِيمَةِ مُخَلِّصٌ، فَكَذَلِكَ تَكُونُ الْقِيمَةُ ثَابِتَةً بِالْكِتَابِ، وَرَدُّ الْعَيْنِ بِالسُّنَّةِ، وَهَذَا الْحَلُّ مِنْ خَوَاصِّ هَذَا الشَّرْحِ، وَجَهْدُ الْمُقِلِّ دُمُوعُهُ. وَقَوْلُهُ: (أَوْ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْمِيمِ) دَلِيلٌ آخَرُ: يَعْنِي فِي اعْتِبَارِ الْمِثْلِ مَعْنَى تَعْمِيمٍ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ مَا لَهُ نَظِيرٌ وَمَا لَيْسَ لَهُ نَظِيرٌ، (وَفِي ضِدِّهِ) أَيْ: فِي اعْتِبَارِ الْمِثْلِ صُورَةً (تَخْصِيصٌ)؛ لِتَنَاوُلِهِ مَا لَهُ نَظِيرٌ فَقَطْ، وَالْعَمَلُ بِالتَّعْمِيمِ أَوْلَى لِكَوْنِ النَّصِّ حِينَئِذٍ أَعَمَّ فَائِدَةً.

وَقَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ بِالنَّصِّ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ: لِأَنَّ الْقِيمَةَ لَا تَكُونُ نَعَمًا، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ فَجَزَاءٌ هُوَ قِيمَةُ مَا قُتِلَ مِنْ النَّعَمِ الْوَحْشِيِّ؛ لِأَنَّ الْمِثْلَ بِمَعْنَى الْقِيمَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَمِنْ النَّعَمِ بَيَانٌ لِمَا قُتِلَ، وَالْمُرَادُ مِنْ النَّعَمِ النَّعَمُ الْوَحْشِيُّ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ إنَّمَا يَجِبُ بِقَتْلِهِ لَا بِقَتْلِ الْحَيَوَانِ الْأَهْلِيِّ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّعَمَ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى الْأَهْلِيِّ فِي اللُّغَةِ يُطْلَقُ عَلَى الْوَحْشِيِّ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْأَصْمَعِيُّ. فَإِنْ قِيلَ: مَا تَصْنَعُ بِقَوْلِهِ: هَدْيًا وَهُوَ حَالٌ مِنْ جَزَاءٍ، فَإِذَا كَانَ الْجَزَاءُ الْقِيمَةَ كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَاهُ إذَا قُوِّمَ فَبَلَغَتْ قِيمَتُهُ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ فَالْقَاتِلُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ، (وَقَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ قَالَ «الضَّبُعُ صَيْدٌ وَفِيهِ شَاةٌ» وَعَنْ أَثَرِ الصَّحَابَةِ: يَعْنِي أَنَّ إيجَابَ النَّبِيِّ وَالصَّحَابَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>