وَأَفْعَالُ الْحَجِّ تَنْتَهِي بِطَوَافِ الزِّيَارَةِ فَيَمْشِي إلَى أَنْ يَطُوفَهُ.
ثُمَّ قِيلَ: يَبْتَدِئُ الْمَشْيَ مِنْ حِينِ يُحْرِمُ، وَقِيلَ مِنْ بَيْتِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ هُوَ الْمُرَادُ، وَلَوْ رَكِبَا أَرَاقَ دَمًا لِأَنَّهُ أَدْخَلَ نَقْصًا فِيهِ، قَالُوا إنَّمَا يَرْكَبُ إذَا بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ وَشَقَّ عَلَيْهِ الْمَشْيُ، وَإِذَا قَرُبَتْ وَالرَّجُلُ مِمَّنْ يَعْتَادُ الْمَشْيَ وَلَا يَشُقُّ عَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَرْكَبَ
(وَمَنْ بَاعَ جَارِيَةً مُحْرِمَةً قَدْ أَذِنَ لَهَا مَوْلَاهَا فِي ذَلِكَ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يُحَلِّلَهَا وَيُجَامِعَهَا) وَقَالَ زُفَرُ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا عَقْدٌ سَبَقَ مِلْكَهُ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ فَسْخِهِ كَمَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً مَنْكُوحَةً. وَلَنَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَائِمٌ مَقَامَ الْبَائِعِ وَقَدْ كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُحَلِّلَهَا، فَكَذَا الْمُشْتَرِي
الصَّوْمِ وَالْمَشْيِ لِأَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ سَاءَ خُلُقُهُ فَجَادَلَ وَالْجِدَالُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي الْحَجِّ. وَقَوْلُهُ (وَأَفْعَالُ الْحَجِّ تَنْتَهِي بِطَوَافِ الزِّيَارَةِ) يُرِيدُ بِالْأَفْعَالِ الْأَرْكَانَ لَا مُطْلَقَ الْأَفْعَالِ، فَإِنَّ رَمْيَ الْجِمَارِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ قِيلَ) يَعْنِي أَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَذْكُرْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ يَبْدَأُ.
وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ، فَقِيلَ: يَبْتَدِئُ مِنْ حِينِ يُحْرِمُ وَعَلَيْهِ الْإِمَامُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالْإِمَامُ الْعَتَّابِيُّ وَغَيْرُهُمَا (وَقِيلَ مِنْ بَيْتِهِ) وَعَلَيْهِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَمَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَقَالَ (لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ هُوَ الْمُرَادُ) يَعْنِي أَنَّهُ هُوَ الْمُتَعَارَفُ وَالْعُرْفُ مُعْتَبَرٌ فِي النَّذْرِ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ وَاجِبٌ (فَلَوْ رَكِبَ أَرَاقَ دَمًا لِأَنَّهُ أَدْخَلَ نَقْصًا فِيهِ) يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ «عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَقَالَ: إنَّ أُخْتِي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ مَاشِيَةً حَافِيَةً، فَقَالَ ﵊: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَغَنِيٌّ عَنْ تَعْذِيبِ أُخْتِك مُرْهَا فَلْتَرْكَبْ وَلْتَذْبَحْ لِرُكُوبِهَا شَاةً» وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «وَلْتُرِقْ دَمًا» وَقَوْلُهُ (قَالُوا) يَعْنِي الْمَشَايِخَ كَأَنَّهُ بَيَانُ التَّوْفِيقِ بَيْنَ رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَرِوَايَةِ الْجَامِعِ. رَوَى الْإِمَامُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّهُ قَالَ (إنَّمَا يَرْكَبُ إذَا بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ وَشَقَّ الْمَشْيُ، وَأَمَّا إذَا قَرُبَتْ وَالرَّجُلُ مِمَّنْ يَعْتَادُ الْمَشْيَ وَلَا يَشُقُّ عَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَرْكَبَ)
وَقَوْلُهُ (وَمَنْ بَاعَ جَارِيَةً مُحْرِمَةً) ظَاهِرٌ. قَوْلُهُ (وَقَدْ كَانَ لِلْبَائِعِ) يَعْنِي عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute