وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ مَهْرٌ آخَرُ
الْعِتْقِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ مَا ذَكَرْته قِيَاسٌ، فَإِنَّ الْقِيَاسَ هُوَ أَنْ يَلْزَمَهُ مَهْرَانِ: مَهْرٌ بِالدُّخُولِ قَبْلَ نَفَاذِ النِّكَاحِ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَمَهْرٌ بِالنِّكَاحِ وَهُوَ الْمُسَمَّى لِمَا ذَكَرْت مِنْ وُجُودِ الْمَانِعِ عَنْ الِاسْتِنَادِ، إلَّا أَنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا فَقَالُوا: يَلْزَمُهُ مَهْرٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْمُسَمَّى وَقْتَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ مَهْرٌ بِالدُّخُولِ لَوَجَبَ بِحُكْمِ الْعَقْدِ، إذْ لَوْلَاهُ لَوَجَبَ الْحَدُّ فَكَانَ الْمَهْرُ وَاجِبًا بِالدُّخُولِ مُضَافًا إلَى الْعَقْدِ. فَإِيجَابُ مَهْرٍ آخَرَ بِالْعَقْدِ جَمْعٌ بَيْنَ الْمَهْرَيْنِ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، وَهَذَا كَمَا تَرَى لَا يُجْدِي؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الِاسْتِنَادِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمَسَائِلِ لَمْ يَزُلْ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ الْمَانِعُ مِنْ الْجَوَازِ فِي الِاسْتِحْسَانِ الْمِلْكَ، وَإِنَّمَا هُوَ الْحَاجَةُ إلَى الصِّيَانَةِ عَنْ الْإِضْرَارِ بِالْمَوْلَى، فَمَتَى أَعْتَقَهَا الْمَوْلَى فَقَدْ خَلَا هَذَا النِّكَاحُ عَنْ الْإِضْرَارِ بِالْمَوْلَى مِنْ وَقْتِ وُجُودِهِ، ثَبَتَ الْجَوَازُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَظَهَرَ مِنْ هَذَا قَوْلُهُ: وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ مَهْرٌ آخَرُ بِالْوَطْءِ فِي نِكَاحٍ مَوْقُوفٍ إلَخْ.
وَأُجِيبَ عَنْ عَدَمِ زَوَالِ الْحُرْمَةِ الْغَلِيظَةِ بِأَنَّ امْتِنَاعَ حِلِّهَا عَلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ إنَّمَا كَانَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِنَادَ يَظْهَرُ فِي الْقَائِمِ لَا فِي الْمُتَلَاشِي، وَالْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ مُتَلَاشٍ. فَإِنْ قِيلَ: الْقَوْلُ بِالِاسْتِنَادِ يُنْتَقَضُ بِالْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى أَعْتَقَهَا فَالْمَهْرُ لَهَا، وَلَوْ اسْتَنَدَ الْجَوَازُ إلَى أَصْلِ الْعَقْدِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ لِلْمَوْلَى، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَتْ بِإِذْنِ الْمَوْلَى وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا الزَّوْجُ حَتَّى أَعْتَقَهَا. أُجِيبَ بِأَنَّ حُكْمَ الِاسْتِنَادِ يَظْهَرُ فِيمَا لَا يَخْتَلِفُ مُسْتَحِقُّهُ لَا فِيمَا يَخْتَلِفُ، وَهَاهُنَا يَخْتَلِفُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ زَمَانَ الثُّبُوتِ هُوَ الْأَمَةُ وَزَمَانَ الْعَقْدِ هُوَ الْمَوْلَى، فَلَمَّا كَانَ الْمُسْتَحِقُّ زَمَانَ الثُّبُوتِ هُوَ الْأَمَةُ امْتَنَعَ اسْتِنَادُ هَذَا الِاسْتِحْقَاقِ إلَى زَمَانِ الْعَقْدِ، لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَنَدَ هَذَا الِاسْتِحْقَاقُ إلَى زَمَانِ الْعَقْدِ يَبْطُلُ هَذَا الِاسْتِحْقَاقُ زَمَانَ الثُّبُوتِ فَيَبْطُلُ الِاسْتِنَادُ مِنْ حَيْثُ يَثْبُتُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute